اليمن والجار الغني

Author Icon فيروز الوالي

ديسمبر 11, 2025

في ثقافتنا الشعبية نقول “الجار قبل الدار”… إلا في اليمن، حيث أصبح الجار هو الدولة، والدار هي “الساحة الخلفية” التي يمر منها الجميع دون استئذان، لأن أهل البيت مشغولون بخلاف:

من يسرق الثلاجة؟
من يرهن باب البيت؟
ومن يبيع السقف بالمزاد؟

عائلة اسمها اليمن… وأبٌ فاشل اسمه القيادة

تخيل بيتًا كبيرًا غنيًا، فيه ذهب وفضة ومزارع ونفط وغاز وبحار وجزر، لكن الأب الذي يدير البيت… لم يتخرج من مدرسة الحياة، بل بالكاد نجح في “تعليم نص كم ”.
نتيجة ذلك:

الأولاد يُرمَون في الشوارع بحثًا عن كسرة خبز،

الجيران يرون العائلة تتسول رغم غناها،

وبعض الأبناء المقرّبين للوالد يعيشون كأنهم أبناء الملوك بينما إخوانهم يموتون من الجوع.

كيف سيحترمك الجار — أي الخليج — وهو يرى أنك أغنى منه موارد، وأفقر منه إدارة؟

كيف سيخشاك وهو يراك تصرخ وتتشاجر مع إخوتك ليلًا ونهارًا، بينما البيت ينحرق؟

اليمن… دولة تمتلك الثروات وتُدار بعقلية أطفال الحارة

نفسيًا واجتماعيًا، اليمن اليوم ضحية طبقة قيادية تعاني جوعًا نفسيًا تاريخيًا:

كل واحد يريد أن يأكل قبل أن يسقط الكيس،

كل مسؤول يعتبر نفسه مشروع زعيم،

وكل موظف يرى المنصب “غنيمة حرب” لا منصب دولة.

ثقافيًا، نحن أمام ذهنية حوّلت الدولة إلى إرث قبلي – عائلي – حزبي – مليشاوي.
السياسة أصبحت سوقًا سوداء: كل شيء يُباع…
حتى القرارات الوطنية تُشحن عبر “بوليصة”.

اقتصاديًا، اليمن يملك:
ذهب، نفط، غاز، أسماك، سياحة، موانئ، جزر، زراعة…
لكن الإدارة اليمنية قادرة على تحويل أي منجم ذهب إلى حفرة خسرانة، وأي غاز إلى أزمة، وأي بحر إلى طاولة لنهب الحصص.

عسكريًا، بدلاً من بناء جيش… نحن نبني أرخبيل مليشيات، كل واحدة لها نشيد وراية وقائد وختم.

دبلوماسيًا، العالم لا يسمع صوت اليمن… لأنه لا يوجد متحدث واحد، بل فرقة موسيقية كل عازف فيها يريد عزف لحنه الخاص.

بين اليمن والخليج… علاقة جار يتسلى ببيتك لأنه يراك لا تحترم نفسك

الخليج ليس ملاكًا، لكنه يتصرف بعقل ومصلحة.
أما اليمن، فلدينا قيادة تتصرف أحيانًا كأنها تسلم مفاتيح البيت لأي شخص يبتسم لها.

الجيران يرون:

بيتًا مليئًا بالخيرات،

أهلًا يتشاجرون،

مسؤولين يشحذون،

وثروات تهرب،

وقرارات تُصنع خارج الدار.

فيصبح التدخل تسلية وكسبًا ومصلحة… لأن صاحب البيت ترك الباب مفتوحًا.

لماذا النزيف مستمر؟

لأن من يمسك بزمام الأمور:

يملك جوعًا نفسيًا يجعله يلتهم كل شيء،

يملك فقرًا فكريًا يمنعه من التخطيط،

ويمتلك قدرات سياسية صفرية تجعله يبيع المستقبل مقابل راتب آخر الشهر.

الرؤية: كيف نغلق باب النزيف؟

1. تشكيل قيادة جديدة بعقلية دولة لا بعقلية عصابة

قيادة تفاوض باسم اليمن، لا باسم معاشيق أو صعدة أو مأرب أو مسقط أو الرياض.

2. مؤسسة عسكرية وطنية واحدة

توحد السلاح، وتلغي 30 جيبًا مسلحًا، وتعيد هيبة الدولة.

3. مجلس اقتصادي سيادي مستقل

يُدار بخبراء، لا بتجار المناصب.
لا رواتب بالدولار ولا بدلات سفر خرافية.
أولوية: تشغيل النفط والغاز، واستعادة الموانئ، ومكافحة التهريب.

4. دبلوماسية يمنية محترفة

خارجيتنا يجب أن تتعلم الفرق بين: “العلاقات الدولية”
و
“إدارة حسابات الواتساب”.

5. مشروع وطني لإعادة الاعتبار للمواطن اليمني

التعليم، الصحة، الأمن الغذائي، البنية التحتية—هذه ليست ترفًا، بل أساس إغلاق باب الإذلال.

6. لا تدخل خارجي بلا مصلحة وطنية واضحة

السيادة ليست شعارًا… بل عقد إدارة محترم.

7. العدالة الانتقالية ومحاسبة الناهبين

البيت لا يُصلح والحرامي مازال يملك غرفة النوم.

الخلاصة:

اليمن ليست فقيرة… اليمن منهوبة.
ليست ضعيفة… بل مُضعَفة.
مشكلتها ليست في الجيران… بل في المنزل الذي تركه أصحابه بلا ربّ.

حين تُدار اليمن بعقل، سيقف الجار احترامًا…
وحين تُدار بجوع نفسي وفقر فكري، سيعتبر الجار أن الدار بلا صاحب.

زر الذهاب إلى الأعلى