هل اقتربت نهاية الحوثيين مع دخول اسرائيل الحرب معهم
الأخبار المحلية
تثبت الهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون على إسرائيل عدم صحة الإدعاءات، بتوجيه ضربات قاصمة إلى قدراتهم العسكرية، وترسم علامات استفهام حول قدرتها على القضاء عليهم.
وتأخذ هذه الهجمات منحى متصاعداً، يتماهى مع سقف التهديدات المتبادلة بـ”ردود مؤلمة”.
ولم تكن إسرائيل وحيدة في سعيها لإسقاط الحوثيين، فقد سبقتها في المحاولة دول “التحالف العربي”، وبذلت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليّاً وأطراف داخلية أخرى ما في وسعهما سياسيّاً وعسكريّاً، للوصول إلى هذا الهدف.
يشي كلّ ذلك بصعوبة قبول الأطراف المعنية بمعادلة “راوح مكانك” هذه، ويزيد التساؤلات بشأن مصير الحوثيين واحتمالات القيام بمساع جديدة لإسقاطهم.
عبد الملك الحوثي.. المستهدف إسرائيليّاً
غداة مقتل رئيس الحكومة المعيّنة من قبل الحوثيين أحمد غالب الرهوي وعدد من أعضائها في غارة إسرائيلية على صنعاء، نشر وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس تدوينة على منصّة “إكس” قال فيها: “عبد الملك الحوثي سيأتي دورك، سيتمّ إرسالك للقاء حكومتك”.
وأضاف في التدوينة نفسها: “سيتمّ استبدال شعار الموت لإسرائيل المكتوب على علم الحوثيين، بعلم إسرائيل الأزرق والأبيض الذي سيرفرف فوق عاصمة اليمن المُوحّدة”.
تعليقاً على هذه التهديدات واحتمالات تنفيذها، يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني الدكتور منير الماوري: “إذا نجحت إسرائيل في قتله، فسوف تتغير المعادلة تماماً. فالقيادات الوسيطة ستدخل في سباق نفوذ لإثبات أحقيتها”.
ويوضح أن “الكثير من التوجيهات الميدانية تُنسب مباشرة لعبد الملك، ما يجعل غيابه عاملاً معطّلاً لوحدة القرار، وسبباً محتملاً لتفجر صراعات بين القيادات العسكرية واللجان الثورية”.
يتحاشى عبد الملك الظهور الإعلامي، ويتوارى عن الأنظار منذ محاولات استهدافه في قصف جويّ ومعارك برّية عام 2009.
وكانت السعودية قد خصصت مكافأة مالية مقابل تقديم معلومات تفضي إلى اعتقاله.
تؤكد هذه الخطوة أهمية موقعه القيادي ودوره المحوري في بنية الجماعة.
“عبد الملك الحوثي ليس مجرد قائد سياسي أو عسكري؛ بل صُنعت حوله هالة دينية ومذهبية كقائد مؤيَد بالولاية، على غرار حسن نصرالله في حزب الله، وغياب هذا الرمز يخلق فراغًا عقائديًا ومعنويًا”.
وعبد الملك ابن المرجع الديني بدر الدين الحوثي، عمل حارساً شخصيّاً لشقيقه حسين، مؤسس حركة الشباب المؤمن، التي تحوّلت لاحقاً إلى “جماعة أنصار الله”.
ترقّى الحوثي في قيادة الجماعة منذ عام 2004 إلى أن وصل إلى رأس الهرم، وقاد عملية دخولها صنعاء في سبتمبر 2014.
إضعاف الحوثيين
منذ منتصف عام 2024، كثّفت إسرائيل غاراتها الجوية على مواقع الحوثيين في اليمن، ضمن عملية أطلقت عليها اسم “الذراع الطويلة”.
استهدفت هذه الهجمات المقرّات الحكومية والمنشآت الحيوية التابعة للجماعة، مثل مخازن الوقود والأسلحة وموانئ رأس عيسى والحديدة والصليف، وتسبب في خسائر بشرية ومالية كبيرة لها، وتعطيل جزء كبير من قدرة الجماعة على التحرّك العسكري واستخدام مطار صنعاء لنقل واستقبال عتاد حربي.
من الناحية الاقتصادية، أدت الضربات الإسرائيلية إلى خسائر مالية ملموسة للحوثيين، فقد تراجعت إيرادات الرسوم الجمركية على الوقود، والتي كانت تقدر بحوالي 1.8 مليار دولار بين أبريل 2022 ويونيو 2024، إضافة إلى خسارة نحو 18 مليون دولار شهرياً من عائدات مصانع الإسمنت التي تعرضت للدمار، فيما تقدّر الخسائر الاقتصادية الإجمالية بسبب استهداف الموانئ والمطار بما يقارب الـ813 مليون دولار.
ورغم ذلك، يعتقد الماوري أن “انخراط الحوثيين في حملة ضد إسرائيل زاد أعباءهم وعقّد حساباتهم. هم عرضة لضغوط عسكرية واقتصادية وسياسية، لكنهم أيضاً حافظوا على قدرة على شنّ ضربات طويلة المدى، ما يجعل هزيمتهم السريعة عبر خيار عسكريّ تقليدي أمراً غير مرجّح”.
وكان “التحالف العربي” قد حاول إسقاط الجماعة عسكريّاً على مدى سنوات، غير أن محاولاته لم تنجح، إذ بقيت تسيطر على صنعاء وشمال اليمن، وتواصل القتال في المعارك الدائرة في الداخل.
الحوثيون في حسابات إيران
يعتمد الحوثيون بصورة كبيرة على الدعم الإيراني، سواء عبر التمويل العسكري أو الإمدادات النفطية أو المساندة السياسية.
ومن شأن الهجمات التي شنّتها إسرائيل على البنية العسكرية الإيرانية والضغوط الاقتصادية الكبيرة على طهران أن تضعف قدرة الأخيرة على تمويل “أذرعها الإقليمية”، وبالتالي وضع الجماعة أمام مأزق استراتيجي، إذ قد تتحوّل من ورقة ضغط إيرانية إلى عبء مكلف.
وفي ظل هذا الواقع، يذهب بعض المراقبين إلى حدّ توقّع أن تضحّي إيران بالحوثيين في حال وجود تهديد وجوديّ لنظامها يستدعي ذلك، فيما لا يستبعد آخرون تكرار النموذج السوري في اليمن وسقوط الحوثيين كما حدث لحليف إيران بشار الأسد.
“الجماعة محكوم عليها بالزوال، لكن متى؟ وكيف؟ هذا ما يحدده الإقليم أولاً، والداخل ثانياً” يقول الباحث والمحلل السياسي اليمني صالح أبو عوذل.
مصير الحوثيين
في ديسمبر 2024، قال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في تدوينة على منصّة “إكس”: “إن الأيام المقبلة ستشهد تحولات مصيرية وبزوغ فجر اليمن الجديد”، متحدثاً عن مفاجآت وشيكة ستُغيّر موازين القوى وتنعكس إيجاباً على الشعب اليمني.
منذ ذلك اليوم وحتى الآن، حدثت تطورات كثيرة بالفعل، وشهدت المنطقة تحولات جذرية.
لكن “الفجر الجديد” الذي قصده الوزير اليمني لم يبزغ، ومصير الحوثيين لم يحسم، أما الحديث عن مساع وخطط جديدة لإسقاط الحوثيين فلا يعدو كونه تكهنات.
يرجّح أبو عوذل استمرار الضغوط العسكرية المحدودة على الحوثيين بالتوازي مع مفاوضات دورية، ويشير إلى سيناريو آخر “يتطلّب تشكيل حكومة وطنية بعيدة عن المحاصصة، وإعادة هيكلة الجيش في مأرب، مع دعم إقليمي سعوديّ وإماراتيّ وغربيّ، يركّز على بناء المؤسسات وليس مجرد تنفيذ ضربات عابرة”.
ويستبعد مراقبون أن تنجح إسرائيل، من جهتها، في إسقاط الحوثيين عبر الغارات الجوية، نظراً لبعيد المسافة وصعوبة التضاريس الجغرافية في اليمن، حيث توجد منصات إطلاق الصواريخ ومخاون الأسلحة التابعة للجماعة.
لكن قتل عبد الملك الحوثي قد يقلب الصورة.
“إسرائيل سوف تستهدف عبد الملك الحوثي، وإذا نجحت في قتله ستتغيّر المعادلة تماماً، فالقيادات الوسيطة ستدخل في سباق نفوذ لإثبات أحقيتها، وهو ما قد يقود إلى تفكك نسبيّ في الجبهات” يقول الماوري.
أما بالنسبة للدعم الإيراني، فإن الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية المتزايدة على طهران، قد تجبرها على “التضحية بالحوثيين” أو “قبول الجماعة بالخروج من معادلات الصراع الإقليمي”.
وإذا كانت هزيمة الحوثيين مسعى تتقاطع عنده جهود أكثر من دولة، فإن مرحلة ما بعد إسقاط الجماعة تبقى واحدة من العقد الرئيسة، و”هذا بحث آخر”.