تعز اليوم: تدوير الفشل تحت عباءة "الإصلاح المؤسسي"
رغم أن المشهد السياسي في محافظة تعز يوحي بتغيرات إدارية تحمل طابع "الحكمة" و"التصويب"، إلا أن التعيينات الأخيرة والقرارات المتخذة تكشف عن صورة مكررة لنهج طالما أعاد إنتاج الأزمات بدلًا من معالجتها. فما يُروَّج له من "تحسينات" ما هو إلا تدوير ممنهج للفشل، يهدف إلى إعادة تموضع الوجوه ذاتها التي تسببت في التدهور، ولكن بألقاب جديدة وصلاحيات محدثة.
في الظاهر، قد يبدو أن ثمة رغبة في إصلاح الجهاز الإداري، ولكن جوهر القرارات يشير إلى استمرار نزعة المحاصصة والترضيات السياسية على حساب الكفاءة والنزاهة. إن تعز، التي دفعت ثمناً باهظاً في الحرب، تستحق إدارة تُبنى على معايير الشفافية والمصلحة العامة، لا على توزيع المكافآت بين المتنفذين، ولا على إعادة تدوير رموز أخفقت في تقديم الحد الأدنى من الالتزام تجاه المدينة وأهلها.
الأكثر مدعاة للقلق هو الاستخفاف المتواصل بإرادة أبناء تعز، الذين باتوا يشاهدون عملية استبدال المناصب وكأنها لعبة كراسي موسيقية، لا تراعي كرامتهم ولا طموحاتهم في بناء مؤسسات حقيقية. هذا النهج، إن استمر، لن يؤدي إلا إلى تفاقم السخط الشعبي، وزيادة فجوة الثقة بين المواطن والسلطة المحلية.
إن المرحلة الراهنة تتطلب، لا مجرد "تبديلات" شكلية، بل مراجعة شاملة لبنية القرار في تعز، تبدأ بتقييم حقيقي للأداء، وإشراك المجتمع المدني والنخب المستقلة في صياغة معايير الاختيار والتعيين. فأي إصلاح لا ينطلق من مبدأ المحاسبة والمشاركة الشعبية، سيبقى مجرد قشرة تجميلية على وجه أزمة بنيوية عميقة.
توصيات ختامية: نحو كسر الحلقة المفرغة
إن الخروج من دوامة تدوير الفشل في تعز لا يتطلب فقط تشخيص الخلل، بل يستدعي تدخلًا واعيًا ومسؤولًا من مختلف الفاعلين المحليين والدوليين. وفي هذا السياق، يمكن تقديم مجموعة من التوصيات التي قد تشكل نقطة انطلاق نحو مسار إصلاحي حقيقي:
1. للمجتمع المدني:
يجب أن تضطلع منظمات المجتمع المدني بدور رقابي أكثر فاعلية، عبر مراقبة التعيينات الإدارية وتوثيق أدائها، ونشر تقارير دورية شفافة تفضح المحسوبيات وتُعري الفساد، مع دفع النقاش العام نحو قضايا الحوكمة لا الاكتفاء بالردود العاطفية.
2. للنخب الأكاديمية والثقافية:
آن الأوان لأن تخرج النخب من موقع المراقب الصامت، وأن تفرض وجودها في النقاشات العامة من خلال دراسات نقدية، ندوات سياسية، ومبادرات ضغط معرفية تسائل أداء السلطة المحلية وتقدم بدائل واقعية قائمة على المعرفة والتحليل، لا على الانتماء أو التبعية.
3. للأحزاب السياسية:
ينبغي على الأحزاب في تعز أن تعيد النظر في آلية ترشيحاتها ومواقفها من التعيينات، وأن تنتقل من منطق المحاصصة إلى منطق دعم الكفاءة والشفافية. إن استمرار التواطؤ الحزبي مع قرارات مشبوهة لن يؤدي إلا إلى مزيد من تآكل الشرعية الشعبية.
4. لوسائل الإعلام المحلية:
تقع على عاتق الإعلام مهمة نقل الواقع دون تزييف أو تهوين. من الضروري أن يُمنح الملف الإداري في تعز أولوية تحريرية، يتم من خلالها مساءلة المسؤولين وكشف تفاصيل التعيينات، مع التركيز على أثرها الملموس لا مجرد نقلها كأخبار عابرة.
5. للداعمين الدوليين:
الجهات المانحة والمؤسسات الدولية العاملة في تعز مطالبة بربط مساعداتها بديناميات الحكم المحلي. إن تجاهل الفساد الإداري والرضا بالوضع القائم يقوّض التنمية ويشجع على المزيد من العبث بالمؤسسات.
إن اللحظة الحالية، على خطورتها، قد تكون فرصة لإعادة تعريف شكل العلاقة بين السلطة والمجتمع في تعز. فإما أن يُكسر هذا المسار المتهالك، أو أن تستمر المدينة رهينة لقرارات تصنعها غرف مغلقة، على حساب شعب قدّم ما يكفي من الدماء، ويستحق اليوم مؤسسات لا تخذله