تعز بين كماشة الأزمات وتفكك الدولة: حين تغيب السلطة ويُستباح المواطن

Author Icon الدكتور |● عبد القادر الخلي

مايو 27, 2025

في الوقت الذي يُفترض أن تكون فيه الدولة حاضرة لحماية حقوق المواطن، يبدو أن تعز تعيش واقعاً مغايراً... واقع "اللادولة"، حيث الفوضى تفرض نفسها، والسلطة المحلية تتقن فن الغياب، وتتنصل من مسؤولياتها الأساسية. ويمكن قراءة ذلك من خلال عدة مؤشرات خطيرة:

1. فوضى تسعيرة المواصلات:

شهدت تعز منذ الأمس ارتفاعاً مفاجئاً في أجرة الباصات إلى 300 ريال للمشوار الواحد.

لم يصدر أي تعميم رسمي من مكتب النقل – وهو الجهة المخولة قانوناً بتحديد أو تعديل التسعيرة.

هذه الخطوة تعتبر تعدياً على اختصاصات رسمية، وتكشف عن غياب واضح لدور السلطة في فرض التنظيم والمساءلة.

2. تساؤلات حول مبررات الزيادة:

سعر لتر الغاز الطبيعي المستخدم في الباصات لم يشهد أي تغيير (العشرين لتراً بـ9500 ريال، أي أقل من 500 ريال للتر الواحد).

ما هي مبررات هذه الزيادة إذن؟ وأين صوت الدولة لتفسير ذلك للمواطن؟

3. أزمة الغلاء والتضخم:

يعيش المواطن في تعز تدهوراً اقتصادياً خانقاً نتيجة لانهيار العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.

الزيادات غير المبررة في أسعار الخدمات الأساسية ليست سوى خنجر إضافي في خاصرة المواطن المنهك أصلاً.

4. أزمة المياه: الغائب الأكبر:

منذ أشهر وتعز تعاني من أزمة مياه خانقة ومفتعلة.

السلطة المحلية لم تقدّم أي حلول عملية أو حتى شفافة لتفسير الأزمة أو خطط معالجتها.

هذا الصمت يفتح الباب أمام الشك: هل يُراد للمواطن أن يغرق في أزمة تلو أخرى لتُنسى الأزمة الأم؟

5. نظرية "الإلهاء السياسي":

هل نحن أمام محاولة متعمدة لصرف الأنظار عن أزمة المياه بافتعال أزمة أجرة المواصلات؟

افتعال أزمة جديدة لتغطية فشل قديم لم يعد سيناريو مستبعَداً، بل بات عادة متكررة في ظل غياب المساءلة.

6-. التعليم في مهب الانهيار: الأستاذ يُهان والمعلم يُجوّع

في الأشهر الماضية، خرجت احتجاجات يومية لأعضاء هيئة التدريس في جامعة تعز، ومعهم المعلمون والمعلمات، يطالبون الحكومة بهيكلة الأجور بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي المتدهور.

راتب عضو هيئة التدريس لا يتجاوز 100 دولار، بينما يتقاضى المعلم أقل من 40 دولاراً.

أي قيمة للتعليم في ظل هذا الانهيار؟

كيف يمكن أن تُبنى دولة أو يُصان مجتمع، حين يُهان المعلم ويُجَوَّع الأستاذ الجامعي؟

إنها رسالة صريحة: لا مكان للعلم والمعرفة في منظومة تُدار بعقلية التقشف على الفقراء، والبذخ على الفساد.

7. المدينة الصابرة… إلى متى؟

تعز التي صمدت في وجه الحرب والحصار، تُستنزف اليوم داخلياً بفعل الفوضى والتسيب وغياب الدولة.

للصبر حدود… والمواطن لم يعد يحتمل المزيد من الإذلال تحت شعارات فارغة ووعود جوفاء.

خاتمة: تعز لا تحتاج إلى المزيد من الخطابات ولا مزيداً من الوعود. ما تحتاجه هو دولة حقيقية، لا شكل بلا مضمون، سلطة تضع الناس أولاً، لا تُراكم الأزمات عليهم. أما الصمت الرسمي في وجه ما يحدث اليوم، فهو خيانة موصوفة لكل القيم التي تمسكت بها تعز وهي تدفع كلفة الحرب، والصبر، والخذلان
زر الذهاب إلى الأعلى