الهاشميون في اليمن... قدر الدم... ومصبر السلاله

Author Icon مصطفى محمود

يونيو 11, 2025

في ليل اليمن المثقل بالرماد، يتأمل التاريخ وجوه أبنائه المتشابهة. من قلب المأساة، ينهض سؤال مؤلم: إلى أين يمضي الهاشميون في اليمن، وقد اختلط اسمهم بالدم والخراب؟ هل يمكن أن يعودوا إلى ما قبل الانقلاب الحوثي وماتلاه من صراع؟ هل ينجو الفرد الهاشمي من قدر الجماعة ؟ وهل يصفح اليمن عن ماضيه، إن لم ينسه؟...

لقد دخلت السلالة الهاشمية في اليمن دائرة مغلقة، حين قررت أن تقود جماعةً مسلحة باسم "الحق الإلهي والولايه وإل البيت "، وارتضت أن تُقيم دويلة لا يرى فيها اليمني نفسه، ولا يسمع فيها إلا صدى النسب، العنصري لا صوت الشعب. لكن الثمن كان باهظًا: وطن تحطم ودوله انهارت، آلاف القتلى، مدن مدمرة، وسلالة باتت مكشوفة أمام مرآة الجماهير.

ليس هذا هو الهاشمي الذي كان جاره القبيلي يثق به، ويزوجه من بناته، ويجلس معه في المقيل. ليس هو القارئ المثقف، ولا المدرّس المتواضع، ولا التاجر الذي لا يرفع صوته. لقد جرفته الحرب إلى حيث يريد او لم يريد: في صف القاتل، أو في قفص الاتهام.

من الوراثة إلى اللعنة، إن أخطر ما فعله الحوثيون بالهاشميين أنهم أعادوا تسييس النسب، وأخرجوه من الحياد التاريخي. فبعد أن كانت السلالة جزءًا من نسيج اليمن، تحولت إلى مشروع سلطوي يرى في نفسه تميزًا، بل "حقًا" في الحكم. لكن الشعوب حين تُذبح، لا تُصغي للأنساب، بل تصرخ: من ذبحني؟

والآن، تلتفت آلاف العائلات اليمنية إلى وجوه من شاركوا في دمها، وترى أسماء من وقّعوا أو صمتوا، من قاتلوا أو باركوا، من كتموا الموقف وتركوا المذبحة تمضي. نبوءة الهامش، ربما لا يدرك كثير من الهاشميين أن الزمن انقلب. فما كان يومًا ميزة، قد يتحوّل غدًا إلى عبء، بل إلى لعنة.

من سار خلف الحوثي على أمل سلطة، قد يجد نفسه في آخر الأمر منبوذًا من كل مكان في الؤمن حتى قريته، متهمًا في وعي مجتمعه، ومرفوضًا في الدولة الجديدة التي ستولد – ولو بعد حين. وقد يكون أقسى المصائر أن تُحاكم لا على فعل ارتكبته، بل على دم لم تُدنه، وسلطة حوثيه سلاليه لم تعارضها، وامتياز لم تتخلَّ عنه. إن الصمت في زمن المجازر ليس حيادًا، بل خيانة.

هل هناك طريق نجاة؟ ربما. الهاشمي الذي ينأى بنفسه عن الجماعة، ويعلن قطيعة فكرية وموقفًا أخلاقيًا صريحًا، ويقف إلى جانب مظلومي الحرب والانتهاكات الحوثيه لا إلى جوار سلطتها، يمكن أن يكتب صفحة جديدة. لكن هذا لا يكون بعبارات مراوغة من نوع: "لسنا كلنا حوثيين"، بل بمواقف من نوع: "نحن ضد الحق الإلهي، وضد السلالة السياسية، ومع دولة المواطنة".

لعل المصير ليس مكتوبًا بعد، لكنه بالتأكيد لم يعد كما كان. أخيرًا: التاريخ لا يسامح. سيأتي يوم، يعود فيه اليمن إلى كينونته: بلادًا عادية، يحكمها دستور لا نسب ولابطنيين . لكن الذاكرة اليمنيه لن تمّحي بسهولة. والجرح لن يندمل بلا اعتراف. سينظر اليمنيون، طويلًا، إلى هذا الاسم الثقيل: "الهاشمي"، ويسألون أنفسهم: هل من حقه أن يحكم مرة أخرى؟ وهل يستحق أن يُنسى؟ ليس المطلوب محاكم تفتيش، ولا قوانين اجتثاث، بل وعي جمعي لا يسمح بإعادة إنتاج الكارثة. أما أولئك الذين راهنوا على الدم ليحكموا، فلن ينالوا لا الحكم... ولا الغفران.

زر الذهاب إلى الأعلى