قد لا تًسقط الحرب النظام الإيراني لكنها ستُسقِط “النموذج الإيراني”.
قد لا تنتهي الحرب بسقوط النظام الإيراني، لكنها ولا شك ستُسقِط “النموذج الإيراني”.
عندما انتصرت الثورة الإيرانية عام 1979، أحدثت تغييرات عميقة في الفكر العربي والعالمي. بارك المثقفون العرب الثورة، سواء كانوا قوميين أو ماركسيين أو إسلاميين، وكل طرف أسبغ عليها لونه الأيديولوجي.
الماركسيون كيفوها باعتبارها ثورة الفقراء على المستغلين، ورأوا أن مصطلح “المستضعفين” الشيعي لا يختلف كثيرًا عن مصطلح “البروليتاريا”، وتماهوا مع معاداتها للغرب رغم اختلاف جذور العداء.
والقوميون تخلّوا عن حذرهم من النزعة الفارسية المعادية تاريخيًا للقومية العربية، ورأوا فيها دعمًا للقومية في مواجهة التبعية للغرب.
أما الإسلاميون، فرأوا فيها انعكاسًا لصورتهم في المرآة ونسخة أخرى من مشروعهم للدولة الدينية.
طوال أربعة عقود، لم تنجح الخيبات وانكشاف الوجه الطائفي التدميري للمشروع الخميني إلا في إقناع فئة بسيطة من كبار المثقفين بخطورة وعبثية “النموذج الإيراني”.
حتى الفكر الغربي لم يسلم من خطيئة الإغواء بهذا النموذج. ميشيل فوكو هو أبرز، بل وأقبح، نموذج للمثقف الذي استمر في تأييد المشروع الخميني حتى وفاته، رغم انكشاف وحشيته ورجعيته. والحقيقة أن رجعية المشروع هي ما جذب فوكو إليه، لتوافقها مع مشروعه المعادي للتنوير والقيم العالمية.
أما جوديث بتلر، فهي أبرز الوجوه الغربية المتماهية مؤخرًا مع رجعية النموذج الإيراني، واصفة إياه بأنه “جزء من اليسار التقدمي العالمي” حسب تعبيرها. كما كرّست جامعات عالمية أقسامًا وحقولًا أكاديمية كاملة — مثل دراسات ما بعد الاستعمار — لترويج هذا النموذج.
لقد أسر النموذج الإيراني مئات الآلاف من الشباب الشيعة، سحبهم من إمكانيات التطور والارتباط بالعصر، وحبسهم داخل خرافة الشعور بالذنب لمقتل وخذلان الحسين والانخداع بعصمة الإمام وصوابية مشروعه. وحوّل المشروع الخميني البيئات الشيعية إلى كانتونات للفقر والأمية والحشد الطائفي.
ولعلّ سقوط هذا النموذج يُحرّر الشباب والبيئات الشيعية من هذا الاستلاب العاطفي والعقلي.
لقد اختطف “النموذج الإيراني” عقل الشارع العربي، وحبسه في أوهام الشهادة والتضحية والمقاومة تحت زعامة رجعية طائفية لا ترى في التقدم والحرية إلا تهديدًا لمشروعها.
إن إسدال الستار على “النموذج الإيراني” ليس نهاية نظام فحسب، بل نهاية حقبة أسقطت البلدان العربية باسم المقاومة واستعبدت الناس باسم التحرير .