شِعاراتُ الأمسِ ولُقْمَةُ اليومِ…

Author Icon كامل محمد علي

يوليو 17, 2025

بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ مِنَ ٱلْانْتِفَاضَاتِ وَٱلتَّضْحِيَاتِ، وَعَشْرٍ أُخْرَى مِنَ ٱلصَّبْرِ وَٱلْجُوعِ وَٱلِانْهِيَارِ، نُدْعَى ٱلْيَوْمَ لِإِحْيَاءِ "زَخَمٍ" كَأَنَّنَا لَمْ نَتْعَبْ بَعْدُ!

ٱلسُّؤَالُ ٱلْيَوْمَ لَيْسَ عَنْ سَبَبِ ٱلثَّوْرَةِ، بَلْ عَنْ سَبَبِ بَقَاءِ ٱلْجُوعِ وَٱلْمَرَضِ وَٱنْهِيَارِ ٱلْمُؤَسَّسَاتِ وَٱلِاقْتِصَادِ، رَغْمَ وُجُودِ قِيَادَاتٍ محسوبة عَلَى ٱلْقَضِيَّةِ وَفِي هَرَمِ ٱلسُّلْطَةِ!

لَا نَرْفُضُ ٱلتَّظَاهُرَ ٱلسِّلْمِيَّ، لَكِنَّ ٱلشَّعْبَ أَوْلَى بِحَقِّ ٱلْوُقُوفِ أَمَامَ ٱلْجُوعِ وَمَنْ قَادُوهُ إِلَيْهِ أَوَّلًا، لَا أَمَامَ ٱللَّافِتَاتِ وَٱلْوُعُودِ ٱلْفَارِغَةِ.

مَوْعِدُنَا غَدًا؟
حَقًّا؟
أَتَعْلَمُونَ مَا ٱلَّذِي أَصْبَحَ يَعْنِيهِ "ٱلْغَدُ" لِلنَّاسِ؟
لَيْسَ مَوْعِدًا لِلثَّوْرَةِ، بَلْ مَوْعِدًا مَعَ جُوعٍ جَدِيدٍ، وَهَمٍّ مُتَكَرِّرٍ، وَخَيْبَةٍ تَتَكَدَّسُ فَوْقَ خَيْبَةٍ.

نُدْعَى ٱلْيَوْمَ لِمُظَاهَرَةٍ جَدِيدَةٍ، ٱنْتِفَاضَةٍ شَعْبِيَّةٍ كَمَا تُسَمَّى، وَكَأَنَّ هَذَا ٱلشَّعْبَ لَمْ يَنْهَضْ كِفَايَةً، وَلَمْ يَهْتِفْ كِفَايَةً، وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شُهَدَاءُ وَجُرْحَى بِمَا يَكْفِي.
سِنُونَ مِنَ ٱلتَّظَاهُرِ وَٱلْهَتافِ وَٱلْوَلَاءِ وَٱلدُّمُوعِ، ثُمَّ مَاذَا؟
نَامَ ٱلْقَادَةُ، وَتَرَبَّعُوا عَلَى كَرَاسِيِّ ٱلْحُكْمِ، وَتَرَكُوا ٱلشَّعْبَ خَلْفَهُمْ، فِي قَاعِ ٱلْمُعَانَاةِ، وَحِيدًا، جَائِعًا، يَتَآكَلُ فِي صَمْتٍ بِدُونِ خَجَلٍ أَوْ وَجَلٍ.

أَيُّ زَخَمٍ هَذَا ٱلَّذِي تَتَحَدَّثُونَ عَنْهُ؟
وَهَلْ تَبَقَّى فِي ٱلنَّاسِ شَيْءٌ لِيَزْحَفَ؟
أَنْتُمْ تَطْلُبُونَ زَحْفًا جَدِيدًا، فِي حِينِ لَمْ تَزْحَفُوا يَوْمًا إِلَّا إِلَى ٱلْمَكَاتِبِ ٱلْمُكَيَّفَةِ، وَٱلْمَنَاصِبِ ٱلْمَوْزَّعَةِ بَيْنَكُمْ كَٱلْغَنَائِمِ، تَطْلُبُونَ مِنَ ٱلْمُوَاطِنِ ٱلَّذِي لَا يَمْتَلِكُ أُجْرَةَ نَقْلِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ إِلَى ٱلسُّوقِ، نَاهِيكَ عَنْ بَطْنِهِ ٱلْخَاوِيَةِ ٱلَّتِي تُعَانِي مِنْ تَقَلُّبَاتِ وَجَبَاتِهِ ٱلْمُخْتَصَرَةِ وَٱلْمَقْطُوعَةِ حَسَبَ ٱلظُّرُوفِ.

ٱلْقَضِيَّةُ؟
نَعَمْ، عَظِيمَةٌ… مُقَدَّسَةٌ… لَكِنَّهَا لَمْ تَعُدْ تُسَاوِي لُقْمَةَ عَيْشٍ فِي نَظَرِ ٱلْجَائِعِ، وَلَا عُلْبَةَ دَوَاءٍ فِي نَظَرِ ٱلْمَرِيضِ، وَلَا كِتَابًا مَدْرَسِيًّا فِي يَدِ طِفْلٍ لَا يَفْهَمُ لِمَاذَا لَا يَذْهَبُ لِلْمَدْرَسَةِ.

لَقَدْ تَعِبَ ٱلنَّاسُ، تَعِبُوا مِنَ ٱلْوُعُودِ وَٱللَّافِتَاتِ وَٱلْهتَافَاتِ ٱلَّتِي لَا تُشْبِعُ بَطْنًا وَلَا تَدْفَعُ فَاتُورَةً وَلَا تُنْجِزُ شَيْئًا.

تَعِبُوا مِنْ تِكْرَارِ ذَاتِ ٱلشِّعَارَاتِ ٱلَّتِي يَحْفَظُونَهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا مِنْهَا شَيْئًا فِي ٱلْوَاقِعِ.
تَعِبُوا مِنَ ٱلْمُتَاجَرَةِ بِٱلثَّوْرَةِ، وَٱلْمُتَاجَرَةِ بِٱلدِّمَاءِ، وَٱلْمُتَاجَرَةِ بِٱلْأَلَمِ وَبِٱلظُّرُوفِ ٱلْمَعِيشِيَّةِ، بَلْ وَفِي أَدْنَى مُسْتَلْزَمَاتِ ٱلْحَيَاةِ.

ٱلْقَضِيَّةُ لَا تُخْتَصَرُ فِي ٱلتَّظَاهُرِ.
وَلَا تُخْدَمُ حِينَ يُسْتَخْدَمُ ٱلنَّاسُ كَحَطَبٍ لِمَعَارِكَ إِعْلَامِيَّةٍ.
وَلَا تَتَقَدَّمُ حِينَ يَتَنَعَّمُ ٱلْقَادَةُ فِي ٱلسُّلْطَةِ وَيُتْرَكُ ٱلشَّعْبُ فِي ٱلْعَرَاءِ.
لَا تَقُولُوا لَنَا: "هُنَاكَ مُؤَامَرَاتٌ دَوْلِيَّةٌ عَلَيْنَا، وَدَوْلَةٌ عَمِيقَةٌ تُحَارِبُنَا وَتُمَارِسُ عَلَيْنَا سِيَاسَةَ ٱلتَّجْوِيعِ"، بَلْ قُولُوا لَنَا:

مَنْ ٱلْأَوْلَى بِٱللَّوْمِ وَتَحَمُّلِ مَسْئُولِيَّةِ ٱلْوَضْعِ ٱلرَّاهِنِ؟.
مَنْ ٱلْمُطَالِبُ ٱلْأَوَّلُ بِتَصْحِيحِ ٱلْمَسَارِ ٱلسِّيَاسِيِّ لِلْقَضِيَّةِ وَإِيجَادِ حُلُولٍ فَوْرِيَّةٍ لِلْوَضْعِ ٱلْكَارِثِيِّ ٱلرَّاهِنِ؟
مَنْ ٱلَّذِي صَعِدَ عَلَى أَكْتَافِ هَؤُلَاءِ ٱلشُّرَفَاءِ وَٱلشُّهَدَاءِ وَٱلْجُرْحَى، وَبِٱسْمِ قَضِيَّتِهِمْ، وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُمْ شَيْئًا حَتَّى ٱللَّحْظَةِ؟!!
مَنْ سَيَضْمَنُ لِلنَّاسِ ٱلتَّصْحِيحَ بَعْدَ ٱنْتِهَاءِ ٱلتَّظَاهُرَةِ؟
مَنْ سَيَضْمَنُ أَلَّا تُرْكَنَ قَضِيَّتُهُمْ وَمُعَانَاتُهُمْ مُجَدَّدًا فِي أَدْرَاجِ ٱلسِّيَاسَةِ؟
مَنْ سَيَضْمَنُ تَغْيِيرَ ٱلْوَضْعِ وَإِيصَالَ مُعَانَاةِ ٱلشَّارِعِ لِلْقِيَادَةِ بِشَكْلٍ عَامٍّ؟

لِمَاذَا لَا نُسَمِّي ٱلْأُمُورَ بِمَسَمِّيَاتِهَا بَعِيدًا عَنِ ٱلْوَهْمِ وَٱلِانْحِيَازِ؟
فَمِنَ ٱلْغَرَابَةِ أَنْ يَظَلَّ خِطَابُنَا مَوْجَّهًا إِلَى حُكُومَةِ ٱلِاحْتِلَالِ، وَفِي وَقْتٍ نَدَّعِي وَنَحْتَفِي بِٱلتَّحْرِيرِ وَٱلْخَلَاصِ، وَنَدَّعِي أَنَّ مَنَاطِقَنَا مُحَرَّرَةٌ! بل من ٱلْمُحْتَلِّ ٱلَّذِي يُمْكِنُهُ تَقَبُّلُ كُلِّ هَذَا ٱللَّوْمِ وَٱلشَّتْمِ، كَأَنَّنَا فِي ٱلسِّنِينَ ٱلْخَوَالِي حِينَ كُنَّا بِدُونِ سُلْطَةٍ وَبِدُونِ وُزَرَاءَ وَبِدُونِ مُحَافِظِينَ.

خِتَامًا…
ٱلثَّوْرَةُ ٱلْحَقِيقِيَّةُ ٱلْيَوْمَ يَا إِخْوَةَ، لَيْسَتْ فِي ٱلشَّارِعِ فَقَطْ، بَلْ فِي ٱلضَّمِيرِ.
فِي مُحَاسَبَةِ مَنْ خَذَلُوا ٱلنَّاسَ، فِي مُوَاجَهَةِ ٱلْكَذِبِ ٱلَّذِي يَلْبَسُ ثَوْبَ ٱلْوَطَنِيَّةِ.
أَمَّا أَنْ تَطْلُبُوا مِنَ ٱلْجَائِعِ أَنْ يَصْرُخَ، وَهُوَ بِٱلْكَادِ يَتَنَفَّسُ…
فَهَذَا لَيْسَ نِدَاءَ وَطَنٍ، بَلْ عَبَثٌ جَدِيدٌ وَٱسْتِهْتَارٌ بِمُعَانَاةِ ٱلنَّاسِ...

 

زر الذهاب إلى الأعلى