الحوثي ومشروع الشرق الجديد: كيف يُعاد تشكيل السلطة من داخل الخليج؟

Author Icon مصطفى محمود

يوليو 24, 2025

في ظاهر الأمر، يبدو الحوثي مجرد جماعة مسلحة تسيطر على شمال اليمن وتُهدد أمن الخليج بالصواريخ والخطاب الحربي. لكن حين نقترب من المشهد أكثر، تتكشف حقيقة مختلفة: الحوثي لم يعد مجرد فاعل عسكري، بل تحوّل إلى أداة سياسية عميقة داخل مشروع أكبر يُعاد فيه تشكيل السلطة في المنطقة، بمباركة غربية غير معلنة. إنه ما يمكن تسميته بـ"الشرق الجديد"، حيث لا تُسقط الحدود، بل تُعاد صياغة مفاهيم الشرعية نفسها.

الغرب لا يتعامل مع الحوثي كعدو يجب القضاء عليه، بل كعامل هندسي يُحدث خللًا وظيفيًا يسمح بإعادة ترتيب السلطة من الداخل—تمامًا كما تشير نظرية "الفوضى البنّاءة" التي تبنتها بعض مراكز الفكر الأميركية منذ مطلع الألفية (1). الهدف ليس الانتصار العسكري بل إعادة تعريف من يملك الحق في الحكم، بناءً على الهوية والتمثيل بدلًا من الوراثة.

مراحل المشروع الحوثي: هندسة تدريجية للشرعية الخليجية

1. مرحلة التثبيت (2025–2027)
خلال هذه المرحلة، يُرسّخ الحوثي نفوذه شمال اليمن كسلطة أمر واقع، ويُعاد إنتاج صورته إعلاميًا وحقوقيًا، حيث يبدأ الخطاب الغربي في التعامل معه كجهة سياسية لها مشروعية محلية، لا كميليشيا متمرّدة. تشير تقارير صادرة عن Chatham House إلى أن هذا المسار يحظى بدعم مؤسسات حقوقية تروّج لخطاب "مظلومية متوازنة" (2).

2. مرحلة التمدد الأيديولوجي (2027–2030)
ينتقل الخطاب الحوثي من اليمن إلى المجال الخليجي، مستندًا إلى سردية مظلومية طائفية تتغلغل في المجتمعات الشيعية الخليجية. وفق دراسة في Oxford International Affairs، فإن تصاعد التوترات الطائفية يخلق بيئة خصبة لتكوين خطاب سياسي عابر للحدود، يعيد تعريف علاقة المواطن بالحاكم (3).

3. مرحلة الاختراق (2030–2033)
يُستثمر اي خلل اقتصادي أو اجتماعي داخل دول الخليج في تعزيز النموذج الحوثي كمثال للمقاومة "الناجحة". تبدأ تحالفات محلية بالتشكل، مدفوعة بخطاب حقوقي وسياسي ينادي بـ"العدالة المفقودة"، كما ورد في تحليل لمنظمة RAND حول انتقال العدوى السياسية في البيئات الهشة (4).

4. مرحلة إعادة تعريف الشرعية الخليجيه (2033–2035)
يتحول الخطاب من المطالبة بالمشاركة السياسية إلى الدفع نحو تغيير طبيعة النظام نفسه. يتقدم نموذج سياسي جديد يتصدره فاعلون طائفيون–ثوريون، فيما يصبح الحوثي مرجعية رمزية، تمامًا كما تموضع "حزب الله" داخل السياسة اللبنانية وفق تحليل نشرته Foreign Affairs حول إعادة إنتاج الشرعية في المناطق المنقسمة (5).

في جوهر الأمر، نحن أمام انتقال من الدولة باعتبارها "بنية تاريخية"، إلى الدولة كـ "وظيفة هووية". فوكوياما تحدث عن هذا التحول في سياق شرعية الأداء السياسي، حيث لم يعد يُنظر إلى السلطة الوراثية كشرعية تلقائية، بل يتم اختبارها أمام متطلبات التمثيل والتعبير عن المكونات المجتمعية (6). الحوثي، في هذا السياق، يتحول من ظاهرة يمنية إلى أداة فلسفية تعيد طرح سؤال: من يملك الحق في الحكم ، ولماذا؟

الخطر الحقيقي لا يكمن في صعدة، بل في الفكرة التي يُجسّدها الحوثي: أن الهوية المسلحة يمكن أن تحل محل الشرعية التقليدية، وأن الغرب على استعداد لدعم هذا التحول إذا كان يُنتج مشهدًا سياسيًا جديدًا دون تدخل مباشر.
وإذا ظلت الاستجابة الخليجية أسيرة المقاربات الأمنية فقط، دون إعادة بناء خطاب سياسي مرن وعميق، فإن القادم قد يكون ربيعًا خليجيًا طائفيًا، يُرفع تحت شعار العدالة لكنه يخفي هندسة سلطوية تقوّض بنية الدولة من الداخل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع والهوامش التسلسلية

1. RAND Corporation. Regional Dynamics of the Gulf Crisis. https://www.rand.org/pubs/papers/P7700.html
2. Chatham House. Engaging Effectively in the Gulf. https://www.chathamhouse.org/engaging-effectively
3. Oxford Academic. Transnational Identity and the Gulf Crisis. https://academic.oup.com/ia/article/97/4/929/6314271
4. Springer. Navigating the Persian Gulf Security Complex. https://link.springer.com/article/10.1007/s12140-024-09430-2
5. Foreign Affairs. Why Have the Gulf Monarchies Not Fallen? https://www.foreignaffairs.com/articles/persian-gulf/2019-10-28/secret-sheikhs
6. Francis Fukuyama. Political Order and Political Decay. Farrar, Straus and Giroux, 2014.

زر الذهاب إلى الأعلى