ضبط الإيرادات العامة.. خطوة ضرورية للتعافي الاقتصادي
في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تعصف باليمن منذ سنوات، بات من الواضح أن أي توجه جاد نحو معالجة الانهيار الاقتصادي يجب أن يبدأ اولاً من ضبط الإيرادات العامة للدولة، وتوجيهها بالشكل الصحيح لخدمة المواطنين ودعم استقرار العملة الوطنية.
لقد مثّل الانفلات الحاصل في إدارة الإيرادات ـ سواء في المنافذ البرية والبحرية، أو من قطاعات الدولة الإيرادية المختلفة ـ أحد أهم الأسباب التي أدّت إلى ضعف الأداء المالي، وأفقدت الريال اليمني قيمته الشرائية، ما فاقم معاناة الناس، وزاد من تعقيد المشهد المعيشي.
ورغم أن هذه الحقيقة ليست جديدة، فإن معالجتها تأخرت كثيراً لكن وكما يُقال: "أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً".
فقد بدأت مؤخراً ملامح توجه رسمي واضح من قبل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، يسعى إلى تصحيح مسار الإيراد العام وضبط تدفقاته المالية، وإغلاق الثغرات التي كانت تُستغل من قِبل نافذين ومتنفذين لتسريب الأموال إلى جيوب خاصة بدلاً من توجيهها نحو الخزينة العامة.
وفي هذا الإطار، برز دور البنك المركزي اليمني في عدن من خلال سلسلة من الإجراءات الجريئة، منها إغلاق ما يقارب 30 شركة صرافة مخالفة كانت تمارس أعمالها خارج الأطر القانونية، مما يشير إلى وجود نية حقيقية لضبط القطاع المالي، وتقليص حجم المضاربة في سوق العملة، الذي يُعد من أكثر العوامل تأثيراً على سعر الصرف.
هذه الخطوات، رغم أنها لا تزال في بدايتها، تمثل تطورًا إيجابيًا لا يمكن تجاهله، ويعطي إشارات أولية إلى أن هناك محاولة لاستعادة الدولة زمام المبادرة في ملفها المالي. وإذا ما استمرت هذه الجهود بروح الجدية والشفافية، فإنها بلا شك ستؤدي إلى نتائج ملموسة على الأرض، منها الحد من تدهور قيمة الريال، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
لكن هذه الإجراءات لا تكفي وحدها فالمطلوب اليوم هو رؤية متكاملة لإصلاح المنظومة المالية والإدارية في مؤسسات الدولة، وتفعيل أدوات الرقابة والمحاسبة، وضمان عدم عودة الفساد لابتلاع الموارد كما كان في السابق. كما يجب تعزيز استقلالية البنك المركزي، ومنحه القدرة على اتخاذ قراراته بعيدًا عن أي تدخلات سياسية أو ضغوط خارجية.
المواطنون يأملون أن تتحول هذه التحركات إلى استراتيجية وطنية دائمة، تشمل جميع القطاعات وتستهدف تحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي، لا مجرد إجراءات شكلية أو موسمية فتعافي الريال اليمني واستقرار الاقتصاد لن يتحققا إلا بوجود إرادة سياسية حازمة، ومؤسسات فاعلة، وقانون يسري على الجميع دون استثناء.
وفي خضم هذه الظروف، يبقى الأمل معقوداً على استمرار هذه السياسات، وتوسيع نطاقها، لتصل إلى جذور الأزمة، لا إلى مظاهرها فقط فالوطن يستحق أن يُدار بإخلاص، ويستحق شعبه أن يلمس فرقاً حقيقياً على مستوى الواقع.