التفكير نعمة أم نقمة؟!

Author Icon محمد علي محسن

أغسطس 2, 2025

التفكير ليس رجعَ صَدىً لأصواتٍ صاخبةٍ، إنما هو صوتٌ ينبغي أن يصدحَ ويُسمَعَ، ذلك أن انتسابَ صاحبه ووجودَه يتعدَّيانِ حدودَ المكان والزمان.

المفكرُ حالةٌ بشريةٌ واعيةٌ تنتج أفكارًا وتضع قواعدَ، تبتكر حلولًا وطرقًا للمشكلات والأزمات. فكلُّ مَن يفكرُ هو في جوهره يتدبَّرُ، ويقرأ، ويبحث، ويحلِّل، ويفكُّ شِفراتٍ، وذخيرتُه وعُدَّتُه ما تكوَّن لديه من مخزونِ معارفَ وتجاربَ حياةٍ واستنتاجاتٍ.

التفكيرُ لا يقتصر على المفكر أو الفيلسوف، فكلُّ إنسانٍ عاقلٍ يفكر ويبتكر حلولًا وطرقًا لحياته أو عمله. لكنني أعني بالتفكير ذلك الذي يتجاوز ضيقَ الذات والحيزِ إلى الأفقِ الوطنيِّ والقوميِّ والإنسانيِّ.
نعم، التفكيرُ الذي يتعدى تفكيرَ العوامِّ، إلى تفكير النخبة والطليعة. التفكيرُ القَيِّمُ المُدركُ لحاجات المجتمع، التفكيرُ الأقربُ إلى الفلسفة واشتغالاتها الفكرية في الحياة والوجود والكون، ولما له صلةٌ بالمنطق والعقل والروح والميتافيزيقا عُمومًا.

الإنسانُ الذي يفكر، أسئلته وإجاباتُه تشكَّلت وصيغت من حياة الناس ومشكلاتهم وأزماتهم، ولهذا هو غالبًا سبَّاقٌ في مضمار التوقع والاحتمال.
يفكر بهدوءٍ ورويَّةٍ وبلا شطحاتٍ أو غضبٍ. التفكيرُ رابطٌ دقيقٌ بين المعرفة والتجربة، بين الموضوعية والحدس، بين التأمل والإلهام.
في المحصلة، الإنسانُ الذي يفكر، هُناكَ مساحةٌ وزمنٌ وحدودٌ لتفكيره، لكنه دائمًا أبدًا سابقٌ لأولئك الذين حشروا ذواتهم في زوايا وأفكار ومساحات وأزمنة ضيقة.

الإنسانُ الذي يفكر بتجرُّدٍ واستقلاليةٍ، لا يشبه السياسيَّ الساخطَ، يتجاوز الحزبيَّ المُؤطَّرَ في قوالبَ ثابتةٍ، بل يسبقُ المثقفَ والسياسيَّ والباحثَ الأكاديميَّ والمهنيَّ والإداريَّ . المفكرُ يتماهى مع قضايا شعبه بعقله وبصيرته النافذة، المُختلفةِ عن تلك الأفكار أو الشعارات السائدة.

المفكرُ قارئٌ عميقٌ للتاريخ والأحداث والأزمات، وظيفتُه التحليلُ والتقييمُ والإرشادُ والنقدُ البناءُ المتجرِّدُ من العصبيات والانحيازات الضيقة.
المفكرُ نتاجُ تجربةٍ مكتسبةٍ، ونتاجُ إلمامٍ عميقٍ وكثيفٍ بالمعرفة؛ لهذا تكون قناعاتُه حصينةً راسخةً نتيجةً لما اكتسبه من فهمٍ وإدراكٍ للقضايا الإنسانية المحيطة به.

كلُّ مثقفٍ قابلٌ أن يرتقيَ إلى مصافِّ المفكر والتفكير، وكلُّ مَن يفكر إنابةً عن الآخرين هو في حقيقته فيلسوفٌ ملهمٌ لكلِّ مثقفٍ، ولكلِّ باحثٍ ودارسٍ: فيلسوفٌ بما يحمله على كاهله وفي ذهنه من أسئلةٍ وإجاباتٍ لمشكلات مجتمعه.

وقد لا ترقى أسئلتُه وإجاباتُه إلى أسئلة الفيلسوف عن الوجود الكونيِّ وإجاباته، لكنها أدقُّ وأصدقُ وأقربُ إلى الواقع والحياة اليومية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى