الثقة بإعادة الأمل !!

Author Icon محمد علي محسن

أغسطس 13, 2025

كان للحكيم الصيني "كونفوشيوس" تلميذ اسمه "دتزه"، وهذا التلميذ كثير السؤال، كأنَّ أمه ولدته فيلسوفًا. فمن رغبة المعرفة والاستفهام تمخَّضت الفلسفة وشاعت وازدهرت في الأمم المحبة للعلم والمعرفة.

وفي إحدى المناقشات مع معلمه، سأله عن أهم الضروريات لأي سلطة أو حكومة مسؤولة عن مجتمع أو أمة على هذه الأرض؟!
أجابه: "القوة، الغذاء، الثقة.."
فسأله ثانية: "وإنْ كان لا بدَّ من التخلي عن واحدة من هذه الضروريات؟!"
أجاب المعلم: "يمكن للحكومة أن تتخلى عن عتادها وسلاحها، لأنَّ وظيفتها خدمة شعبها."

فسأله ثالثة: "وإنْ كان لا بدَّ للحكومة من الاكتفاء بواحدة، فأيُّهما ينبغي التخلي عنها أو تحقيقها؟"
أجاب: "أفضل أن تتخلى عن توفير الغذاء، فالحياة والموت مسألة بيد القَدَر."

وهنا انتفض دتزه حائرًا: "لماذا على الحكومة التخلي عن أهم الضرورتين؟ فالقوة لا بدَّ منها لحماية أمن شعبها، كما أنَّ الغذاء لا غنى عنه للبقاء أحياءً في الحياة."

أجاب الحكيم: "كل شيء هَيِّن ويمكن تداركه أو إصلاحه. أما الثقة إذا اهتزت أو فُقدت بين الحاكم والمحكوم، فذاك يعني أنَّ الحكومة فقدت مبرر وجودها القانوني والأخلاقي. فليس هناك ما هو أسوأ من فقدان الثقة بالحكومة " .

نعم، يمكن للإنسان أن يتحمل مسألة الاختلالات الأمنية لبعض الوقت، كما سيَتحمل مسغبة الفاقة للغذاء أو حاجته للدواء إذا رأى أنَّ رؤساءه يقومون بواجبهم. وإنَّ مواجهة جائحة الغذاء أو المرض أصبحت أمرًا لا مَفرَّ من تقبُّله.

لكن ما لا يستطيع أحدٌ تحمُّله هو فقدان الثقة بالحكومة، ولا يرى فيها إلا الإخفاق أو اختلاق الأعذار. فهنا فقط يتحتم على كل إنسان الثورة، ومبرره في ذلك أنه فقد ثِقَته بها..

ختامًا.. العشرة الأيام الماضية أعادت للناس بعض الثقة. ففي كل الأحوال، الناس صبرت زمنًا على الجوع، وعلى غياب الخدمات الأساسية والمرتبات .ومع كل ذلك، تحمَّلت وصبرت وانتظرت.

وعندما شارفت الثقة على الموت، كان لا بدَّ من أفعال ملموسة وجادة ومنقذة لهذه الثقة. فقد اهتزت الثقة وأصابها ما يشبه الزلزال في نفوس الناس وأذهانهم، حتى إنها أوشكت على النهاية.

الآن، كل الأطراف المكونة للحكومة والرئاسة هم في الواجهة والمحك . فإما أن يواصلوا مهمة إعادة الأمل - فليس هناك ما هو أسوأ أو أفظع من قتل الأمل في نفوس المجتمعات - وإما أن يكونوا خاسرين لكل شيء: السلطة، والسمعة، والتاريخ، والوجود.

وهذه جميعًا تشكل ثيمة "الثقة" باعتبارها رافعةً وقوةً وديمومةً لكل حاكم، أو أنها رصاصة قاتلة لمن يفقدها..

 

زر الذهاب إلى الأعلى