حضر الرؤساء وغابت اليمن

Author Icon محمد علي محسن

سبتمبر 19, 2025

تعطلت لغة التفاهم ، فتَعَطَّلَتْ البلاد، وخَرِبَتْ، وضاعت في متاهات اليأس. وعند أول بارقة أمل تعود إلى أرواحٍ انكسرت وأجسادٍ نحتت المعاناة عليها أخاديد من الأوجاع والقهر، أعادونا قسرًا إلى قاع الخوف والرجاء والريبة.

في العاصمة الرياض اجتمعوا، وكنا نعتقد – بسذاجة – أن ثمة خلافات جوهرية أعاقت مسيرة الإصلاح، وأن القاسم المشترك بين القادة الثمانية هو الإنسان والوطن والاقتصاد والمرتبات والخدمات والأسعار والعملة الوطنية، وغيرها من الاستحقاقات الوطنية .

التقوا بعد معركة كلامية عبثية، ونفقات باهظة لا مبرر لها، وعنتريات طافحة تستحضر ذاكرة حقبة السبعينات البائدة. جاؤوا زُمَرًا وَوُحْدَانًا، كلٌ منهم محمولٌ على متن طائرة خاصة، ومحروس بالبنادق والهواجس والمحاذير الأمنية، مرتديًا أفخر الماركات، ومُضَمَّخًا بأزكى العطور.

لكن الإنسان البسيط المغيب في دهاليز المعاناة لا يدرك أن خلف هذه المظاهر الزائفة، يُنتهك وطن وتهدر سيادة، ويُغيّب شعب فقد القدرة حتى على الإحساس بالقهر .

إن اليمن، بدولته وتاريخه العريق وجغرافيته الاستراتيجية ومأساته الإنسانية، لم يعد في عيون هؤلاء إلا قطعة جبنة يتنافس على نهشها عشرة فئران لا ترحم، ولا تعرف أي معنى للفضيلة أو الشرف.

التقوا، وبعد جهد ومخاض عسير، ويا ليتهم لم يجتمعوا ! يا ليتهم لم يتحدثوا أو يتفقوا ! ليتهم امتلكوا ذرة من الشجاعة أو الكرامة ليحفظوها لأنفسهم قبل رحيلهم عن عالمنا، أو موتهم السياسي والأخلاقي .

الرئيس هادي كان على الأقل يقول " لا " عندما لا يستطيع ذبح وطنيته إرضاء لقرار أو اتفاق لا يليق أن يكون خاتمة لتاريخه الشخصي .

اجتمع القادة الثمانية، ومعهم السفيران، فصار مجلس القيادة "عشرة"، وهي فلسفة حزبية جامعة لأقطار عدة ، رأيناها في تركيبة أحزاب البعث القومية ، وليست أبدًا طريقة لإدارة دولة وطنية مستقلة.

وفي النهاية، تمخض الاجتماع فولد فأرًا مشوهًا، لا يشبه أيًا من الفئران الثمانية أو العشرة، ولا يشبهنا، ولا ينتمي إلينا.
وبعد جلسات من الشد والجذب، والملاسنات، وتبادل الاتهامات، والأكاذيب، لم يتفقوا إلا على مراجعة سريعة لما وزعوه من وظائف ومن مقدرات البلاد، ولما قضموه من حقوق الشعب، ولما استحوذوا عليه دون وجه حق، ولما وهبوه على مواليهم وأقاربهم وأتباعهم.

الوطن في عرفهم مجرد قطعة جبنة، والشعب قطيع من الخرفان يُذبح وقت طلب الثعابين ، والشراكة السياسية ليست سوى محاصصة مقيتة وتقاسمًا لغنائم شركة فاشلة آيلة للإفلاس.

وفي ظل هذه الممارسات العبثية، لم تعد المسؤولية تعني قيادةً ولا واجباتٍ ولا التزامات. نعم، القيادة هنا لم تعد تعني تحمل أعباء دولة وشعب واقتصاد منهار ، وأمن مفقود ، ومرتبات متعثرة .

بل تحولت إلى مجرد مناصب ومغانم وترقيات ودرجات وظيفية تُوزع وتُباع وتُشترى في سوق النخاسة، على حساب شعب يعاني منذ عشر سنوات ويلات حرب طاحنة، وصنوفًا لا حصر لها من الأزمات الاقتصادية والخدمية والأمنية والإنسانية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى