تأمل في الجدل حول "نوبل" السعودي عمر ياغي
حين فاز العالم السعودي عمر ياغي بجائزة نوبل في الكيمياء، لم تحتفل المنطقة العربية بالمعرفة وبالانجاز العلمي الذي حققه العالم ياغي، بل انقسمت — كعادتها — على سؤالٍ أكثر ضيقًا: من يملك الفخر؟
هل هو للأردن الذي وُلد فيه؟
أم للسعودية التي منحته جنسيتها؟····
أم لأمريكا التي احتضنت أبحاثه ومؤسساته العلمية؟
في الحقيقة، هذه المنطقه لاتدرك انه لا أحد «يملك» العالم ،فالعالم، كالفكرة، لا يُحتكر ،إنه ابن العقل الإنساني حين يتحرر من جغرافيا الميلاد وضيق الانتماء، ولهذا فإن كل محاولة لحصره في هوية واحدة تُشبه محاولة تقييد الضوء في زجاجة·
لكن الهجوم الذي وُجّه إلى السعودية، لأنها احتفت بعالمٍ صار مواطنًا فيها، يكشف ما هو أعمق من الجدل السطحي حول «الأصل»· ماهو الا نتيجه لاسباب سابقه اصلها هشاشة الوعي العربي حين يعجز عن رؤية أن السعوديه حينما تُكرّم العلماء لا تسرق إنجازاتهم، بل تُضيف إلى إنجازهم معنى آخر: معنى القدرة على الاعتراف بالعظمة حين تأتي من الخارج، وعلى احتضانها بوصفها استثمارًا في المستقبل·
منطق الساخرين من السعودية قائم على وهمٍ قبلي بدائي: أن الفخر العلمي لا يكون إلا لمن وُلد في حدود سياسية معيّنة·
لكن لو اعتمدنا هذا المنطق المتخلف ، فهل يجوز إذًن أن نقلّل من شأن أمريكا لأن أكثر من نصف علمائها الحاصلين على نوبل ليسوا من أصول أمريكية؟
هل من العقل ان نسخر من امريكا لانها منحت جنسيتها لأينشتاين ألأماني واصبح مواطنا امريكيا .. أم نحترم امريكا على هذا الفعل؟......
إذن، لماذا يُستنكر على السعودية ما يُحتفى به في الغرب؟
هل لأننا لا نزال نعيش تحت سطوة عقدة المقارنة مع الآخر، حيث يُباح له ما يُحرَّم علينا؟
إنّ فوز ياغي لا ينبغي أن يكون مناسبةً لقياس الانتماءات، بل فرصةً لإعادة تعريفها·
أن تمنح دولةٌ عربية الجنسية لعالمٍ عربي في المهجر هو فعل رمزيّ عظيم: إنه إعلان أن المستقبل لن يُبنى بالدم، بل بالعلم، وأن الوطن الحقيقي هو المكان الذي يُكرّم العقل لا القبيلة·
العلم لا وطن له، لكنه يمنح الأوطان التي تحتضنه وجهاً جديدًا·
ومن هذا الوجه تحديدًا، يكتسب الفخر السعودي معناه الأعمق: ليس في امتلاك العالم، بل في وعي اللحظة التي قررت فيها السعودية أن تكون وطنًا للعلم قبل أن تكون وطنًا للنفط·
إنّ الذين يطعنون في السعودية لأن العالم الذي نال نوبل لم يُولد فيها، يخطئون قراءة الزمن·
فزمن الدول يُقاس اليوم بقدرتها على إنتاج المعرفة واستيعابها، لا بعدد القبائل أو سطور الجغرافيا·
والسعودية، حين احتفت بياغي، لم تبحث عن أصلٍ لتتباهى به، بل عن عقلٍ يساهم في نهصتها
.