انهيار الأسطورة: من التوراة إلى السياسة !
لم تعد المسألة مجرد مزاج نخبوي في أمريكا أو أستراليا أو كندا أو أوروبا، كما لم تعد مقتصرة على تعاطف شعبي في إيرلندا أو جنوب إفريقيا أو إسبانيا. نحن إزاء حالة عالمية جديدة تتشكل الآن، على نقيض تمامًا من الحالة التي برزت من أتون الحرب العالمية الثانية.
كان مخاض تلك الحقبة السابقة هو صعود أمريكا، تلك الدولة التي حكمها "رعاة البقر"، وفي يديهم القنبلة النووية، ورئيسهم منحط الأخلاق، مصاب بجنون العظمة، وسجله زاخر بتجارة الجنس والقمار والتحرش بالنساء.. وما خفي كان أعظم.
أمريكا التي حكمها اللوبي الصهيوني على مدى سبعة عقود، تتلاشى وتزول في قابل الزمن. فاستعدوا، وتعامَلوا مع هذا التحول بإيجابية. والأهم من ذلك، أن نكون مؤثرين وفاعلين في "أمريكا الجديدة"، فكل المؤشرات والقرائن تؤكد رغبة الشعب الأمريكي في استعادة قراره وسيادته.
إن فوز "زهران ممداني" في انتخابات أغنى مدينة في العالم، "نيويورك" – معقل المال السياسي الصهيوني ومسقط رأس ترامب – ليس سوى فاتحة لانتخابات حرة مُزْمَعٌ إجراؤها. كما أعلن مشايخ ونواب كبار، ولأول مرة في تاريخ أمريكا، رفضهم قبول أموال "إيباك" الصهيونية.
شكرًا لمنصات التواصل الاجتماعي، فقد فضحت الإعلام الصهيوني، وكشفت حقيقة الهيمنة على أهم ركائز صناعة القرار في أمريكا: البيت الأبيض، والكونغرس، ومجلس الشيوخ، والقنوات الفضائية، والصحف، والمجلات الشهيرة.
بل وتجاوزت صفاقة هذا اللوبي كل الحدود، فوصلت إلى حد رشوة "الذكاء الاصطناعي" و"جوجل" و"تويتر" و"مايكروسوفت" وسواها من التقنيات والمؤثرات الحديثة. حدث هذا أمام مرأى ومسمع العالم، من أجل خدمة الرواية الصهيونية التي يريدون ترسيخها في الأذهان والذاكرة والمعرفة.
فالمزج الصهيوني بين العهدين التوراتي والإنجيلي أصبح الآن عاريًا بفعل تقنيات التواصل والترجمة الحديثة. لقد كانت "إسرائيل" المتخيلة في أذهان الملايين من المسيحيين الانجيليين تحديدًا ، هي التي يجب نصرتها ودعمها طاعة لله، وكواجب ديني وأخلاقي. أما اليوم، فقد تبدلت تلك الصورة.
لقد آمن الرؤساء الجمهوريون، من ترومان إلى ترامب، بالمسيح كجنرال صهيوني محارب لشرور أعداء إسرائيل في فلسطين! .
وطالما خيل لي أن الشعب الأمريكي نام زمنًا طويلًا على ضلالة "شعب الله المختار"، حتى استفاق فجأة على أكذوبة "الفئة المؤمنة" التي استنزفت مليارات الدولارات تحت شعار "عودة المسيح المنتظرة".
الآن ، تبرز إسرائيل كدولة مارقة وفاشية ومحتلة لفلسطين. والآن فقط، يدرك العالم جريمة بريطانيا ووزير خارجيتها "بلفور" ووعده لصديقه الصهيوني "وايزمان".
كما فاقت فرنسا وإسبانيا وكندا وأستراليا وهولندا وغيرها على جرائم الإبادة، وعلى جريمة احتلال فلسطين وتطهيرها من شعبها، بدعوى "الأرض الموعودة" لإقامة إسرائيل المزعومة التي ستجلب المسيح!
إن ما يحدث اليوم في أمريكا وأوروبا يضع المرء في حيرة من أمره: كيف انطلت على هذه الشعوب فكرة الإيمان بإسرائيل وحقها في احتلال فلسطين، باعتبارها أرضًا مقدسة منحها الرب لنتنياهو وأمثاله من الصهاينة القادمين من بولندا وروسيا وأوكرانيا ودول البلطيق وأمريكا وألمانيا وبريطانيا؟
نعم، كيف استفاقت هذه الشعوب على حقيقة أن من اعتبروهم "شعب الله المختار" لا يؤمنون بالمسيح مطلقًا، بل يعدونه -على حد زعمهم- ابن زنا، وأن أمه مريم العذراء زانية – استغفر الله – وأنه من مضغة قذرة من رجل زاني اسمه يوسف النجار! .
إنها أوهام وخرافات لا يستسيغها عقل أو منطق. ومع ذلك، كيف سادت وتربعت – ومازالت للأسف الشديد – كحقيقة إيمانية يقينية لا تقبل الشك؟
وكيف غابت عن العقلية الأوروبية والأمريكية – المادية في تفسيرها لمجمل الظواهر – حقيقة أن "بني إسرائيل" في التوراة والإنجيل والقرآن لا صلة لهم البتة بـ"بني إسرائيل" الذين جيء بهم من أقطار وأعراق ولغات وأجناس شتى إلى فلسطين، بهدف إقامة دولة يهودية خالصة، رغم أن هذه الفكرة بحد ذاتها تعتبرها طائفة يهودية سلفية مخالفة صريحة للرب وتجاوزًا لأوامره ونواهيه؟
ختامًا .. حرب غزة لم تكن معركة من أجل دولة فلسطينية فحسب، بل كانت معركة لتحرير دول العالم من سيطرة "أمريكا الصهيونية" .
كما كشفت هشاشة القانون الدولي الذي عجز عن وقف جرائم الإبادة في فلسطين ، إن لم نقل عن عجزه لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الأطفال والنساء والشيوخ الذين تفتك بهم المجاعة والامراض الوبائية جراء الحصار المطبق على سكان قطاع غزة ..