الأزمة اليمنية بين تراخي المجتمع الدولي وانحراف التحالف عن مسار القرار الأممي
تكاد تنهي الأزمة اليمنية عامها الحادي عشر ،ولا تزال البلاد غارقة في دوامة الانقسام السياسي والأمني والعسكري، ومع كل عام يمر، تتضح صورة أعمق وأكثر تعقيدا:
ليس الفاعلون المحليون وحدهم من يتحملون وزر هذا الانسداد، بل إن المجتمع الدولي نفسه، ومعه تحالف دعم الشرعية، أسهما بشكل مباشر في إطالة أمد الأزمة عبر تجاهل المعرقلين، أو العجز عن ردعهم، أو حتى التعايش مع حالة التشظي باعتبارها “أمرا واقعا”..
منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، بدا واضحا أن الانقسام بين مكوناته ليس خلافا عابرا، بل شرخ عميق ينعكس على أداء مؤسسات الدولة التي تآكلت أصلا خلال سنوات الحرب، تباين الولاءات، وتعارض الأولويات، وغياب مركز قرار موحد، كلها عوامل جعلت مؤسسات الجيش والأمن أقرب إلى جزر متناثرة لا تربطها رؤية وطنية مشتركة..
إن هذا التشظي ليس مجرد مظهر من مظاهر الضعف، بل هو المحرك الأساسي لحالة عدم الاستقرار، وهو ما يدركه الداخل اليمني جيدا، لكن المجتمع الدولي لا يزال يتغاضى عنه رغم أن أثره المباشر صار جليا في كل مفصل من مفاصل الدولة..
تراخي المجتمع الدولي أمام المعرقلين
لقد تعاملت الأمم المتحدة والدول الكبرى مع الأزمة اليمنية بمنطق “إدارة الصراع” لا “حله”، فالمعرقلون — سواء كانوا جماعات مسلحة أو قوى محلية مرتبطة بجهات إقليمية — لم يواجهوا يوما إجراءات رادعة، ولم تفعل أدوات الضغط الدولي التي استخدمت في أزمات أقل تعقيدا في دول أخرى..
مسؤولية تحالف دعم الشرعية في الانحراف عن القرار الأممي
دخل التحالف الحرب في اليمن استنادا إلى القرار الأممي 2216 الذي أكد ضرورة إنهاء الانقلاب وإعادة مؤسسات الدولة وتسليم السلاح وعودة الحكومة الشرعية، غير أن ما حدث على مدار 11 عاما عكس مسارا مختلفا تمامًا:
فلم تستكمل عملية استعادة الدولة رغم توفر الإمكانات العسكرية والاقتصادية، ولم يتم بناء مؤسسات أمنية وعسكرية موحدة، بل على العكس ازداد التشظي داخل المعسكر المؤيد للشرعية، وتحول التحالف من ضامن لوحدة الصف إلى طرف في الانقسام عبر دعم قوى متنافرة داخل الشرعية نفسها..
إن استمرار هذه الحالة لا يمكن تفسيره إلا بغياب إرادة واضحة لدى التحالف لإنهاء الانقسام، رغم امتلاكه القدرة الكاملة على ردع المعرقلين ودفع الأطراف نحو الحل..
لحظة التغيير… ميلاد تيار وطني جديد
إن اليمن اليوم أمام مفترق طرق، لا يمكن للبلاد أن تنتظر حلولا تأتي من الخارج، ولا يمكنها أن تظل رهينة صراعات الفاعلين الإقليميين والدوليين، حان الوقت لظهور تيار وطني جامع يضع مصلحة اليمن فوق كل الاعتبارات، تيار يقوم على:
■.إعادة تعريف العلاقة مع المجتمع الدولي بحيث تقوم على المصالح المشتركة لا على التبعية السياسية أو العسكرية.
■.فتح آفاق جديدة للتعاون الدولي في الاقتصاد والطاقة والممرات البحرية ومكافحة الإرهاب، بما يجعل اليمن شريكا لا ساحة صراع.
■.توحيد القوى الوطنية حول مشروع دولة حقيقية، بمؤسسات موحدة وجيش واحد وقرار سيادي مستقل.
■.إعادة بناء شرعية سياسية متماسكة قادرة على تمثيل اليمن والتفاوض باسمه، بدل الشرعيات المتعددة والمراكز المتصارعة..
إن الأزمة اليمنية ليست مجرد صراع داخلي، بل نتيجة مباشرة لتراكمات محلية وتدخلات خارجية وتراخي دولي ممتد، ولن تتغير المعادلة إلا إذا ظهر مشروع وطني جديد يملك الشجاعة لقول الحقيقة:
إن سنوات الحرب كافية، وإن الانقسام لم يعد خيارا، وإن اليمن لن ينهض إلا بإرادة يمنية تستعيد زمام الأمور وتعيد صياغة العلاقة مع العالم على أساس الاحترام والمصلحة المشتركة..