أين يقف اليمنيون من صراعاتهم؟ 

Author Icon مصطفى ناجي

ديسمبر 5, 2025

كانت الدولة اليمنية بعوارض عدم الاستقرار وقابلية الانفجار الداخلي تهديداً حقيقياً لدول الجوار والعالم. إذن فالمهمة هي تفكيك إرث السلطة اليمنية وبناء صرح جديد مختلف.

نحن -رغم مكابرة البعض ونكرانه اللحظي والنكائي- ندرك إلى أي درجة كان البناء اليمني المؤسسي ملغوماً بكل عوامل الفشل حتى إنه أفرغ نفسه من النزعة الجمهورية ومرتكزاتها الانسانوية. نعرف المشكلة، وسبق أن قدمنا لها تشخيصاً دقيقاً وحاولنا تقديم مقترح حلول بعد 2011.

ما حدث الآن هو أن تفكيك السلطة المتعسف والرغبوي يقود إلى تفكيك الدولة. اشدد على كلمة رغبوي لانه مخطط للتفكيك التي يسايرها كل القوى اليمنية وكل واحدة منها لديها حساباتها الخاصة كان يمضي وفق رغبات متبدلة ومتناقضة في داخلها جعلت من التفكيك غاية وليس وسيلة.
بالمقابل القوى اليمنية – التي حشدت حولها نخباً زائغة ومتهافتة على عسل الموائد وتحريضية – لا تملك تصوراً واحداً حول الفصل بين السلطة المراد تفكيكها والدولة التي ينبغي الحفاظ عليها.
يتذكر احد السياسين انه حين قابل السفير الأمريكي في 2011 واجاب على سوال السفير بماذا تريدون: اسقاط النظام. فكان رد السفير لاذعاً : اولاً شيدوه حتى تنادوا بإسقاطه.

أنا اختلف تماماً مع كل من يرى أن السعودية مع إعادة تشطير اليمن. هي ليست كذلك لكنها لن تفعل ما يحول دون التفكيك. أخي مطالبة بهذا؟ سيتوقف استثمارها السياسي في اليمن عند الوصول إلى ضمان أمنها ومصالحها لا أقل ولا أكثر. هذا هو التفسير العقلاني للسلوك الخارجي لدولة وما. لماذا تخشى الدول الاروبية محاولات الانفصال داخل أوروبا ؟ لارتدادات ذالك على الهوية الوطنية لكل دولة أوروبية. ليس ليس واردا في حالة السعودية.

إذن، لماذا وقع التفكيك على هذا النحو العشوائي.

‏هل لأن السلطة كانت هي الدولة؟ أم لأن هذه القوى غير مسؤولة وتريد أن تلقي بعبء التغيير على غيرها؟ هذه صفة طفولية أخرى تحتاج إلى نظر.
ثم أليست مفاعيل التفكيك نابعة من تاريخ سياسي غير محسوم ظل فاعلوه يراكمون الإخفاقات ويهربون إلى الأمام. هل حدثت لحظة تصالح حقيقية بين الأطراف اليمنية؟ هل وضعت النخب السياسية عربة التحديث على قضبان العدالة الاجتماعية؟ هل حسمت النخب مرجعيتها الفكرية والفلسفية في بناء الدولة؟

النقطة الثانية التي أظنني استخلصتها تكمن في أن النخب اليمنية ،تنظر إلى الوحدة باعتبارها شأناً شمالياً. لذا على الشمال أن يحافظ ويحتفي بالوحدة ،لأنه حقق مكاسبه الخاصة من خلالها. وهذا بالطبع خطأ احصائي.

استسلمت النخب الشمالية لهذا التصور وبما أنها منقسمة وقد فتك بها الحوثي، فإن جزءاً منها ذهب إلى النقيض تماماً ويرى أن الانتقام من الحوثي لا يكون إلا في تعضيد كل طرف يناقض الوحدة.

هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى لم تعقد النخب الشمالية هذه أواصر حقيقية (خارج نسيج حزب الإصلاح) مع نخب وحدوية جنوبية.
في مقتبل مركزية صنعاء الوحدوية بقي مشروع الانفصال متمركز في عدن. تساهل بناء تحالفات عابرة مع النخب الوحدوية اليمنية سمح بتمدد الإشعاع الانفصالي شرقاً. كان هادي ومن حول والقوى السياسي والعسكرية التي ساندته أوساط من دافع عن اليمن. الدفاع عن الوحدة يتطلب استعادة صنعاء او في اقل القليل توسيع رقعة المناطق المحررة في محافظات الشمال.

مقابل تشريد القوى الشمالية المناهضة الحوثي، تقف النخب والقوى الوحدوية الجنوبية مجردة من أي تضامن أو تحالفات أو مجال تنفس.
وبما أن حزب المؤتمر قد تفكك وتشظّى ذاتياً كما تفعل الكائنات الأولية حين تتكاثر بالانشطار، فقد تحمّل حزب الإصلاح وحدة الهجمة الانفصالية وواجه الخطاب التجريمي للوحدة. في الحقيقة كان الإصلاح هو عدو الجنوبيين الانفصاليين حتى في عهد صالح والسبب يعود إلى السحق الثقافي الذي مارسه الاصلاحيون للخاسرين عقب حرب 1994.

ثلاثة عقود من الوحدة لم تكن كفيلة بخلق وعي وحدوي عابر للجغرافيات أو للكيانات الحزبية.
الآن، حزب الإصلاح هو نفسه في لحظة هوان وفقدان سيطرة إلى درجة أن نخبته الجنوبية قابلة لأن تنزلق نحو نزعات مناطقية. إصلاحيّو حضرموت يميلون أكثر إلى ذاتية حضرموت عوضاً عن الوعي المركزي الإصلاحي.

ثالثة نقطة وآخرها من التي احب استعراضها هنا هي ان الجمهرة في اليمن تنحو إلى الانتصارات الخاطفة. في حقيقتهم، اليمنيون لا يحبون الحرب، بل التهديد بها واذا وقعت حرب أرادوها خاطفة. وعندما تحدث يستسلمون للهجمة الأولى ويقلبون في صف المنتصر. يقول المثل اليمني الحامل لتصالح مؤقت :من أكلك قال أخوك.
هذا السلوك المتبع أصلا من محدودية الموارد المخصصة للحرب جنب اليمنيين حروباً طاحنة لكنه فتح الباب نحو تربية الحقد وتأصيل الثأر. المسالة فقط انتظار سانحة. خرجت الحوثية من هذا الاستثناء لسببين اولا انها تمنح من تراث قتالي عقائدي جهادي. والثاني انها حاليا تدار ايرانيا وبخبرات ايرانية. وبهذا فإنها أشد فتكاً باليمنيين وأكثر قدرة على إحداث تغييرات ثقافية فيهم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى