‏هزيمة سعودية في اليمن

Author Icon حسين الوادعي

ديسمبر 23, 2025

كتب عبد الرحمن الراشد مقالًا في الشرق الأوسط، خلاصته أن الجغرافيا (وحدها!) هي الأساس في السياسة، وبما أن الأمر كذلك فإن السعودية هي اللاعب الأهم في اليمن، سواء كان موحدًا أو مقسّمًا.
الرسالة واضحة: الإمارات لا تملك حدودًا جغرافية مع اليمن، وبحسب “حقائق الجغرافيا” لا يمكن لها أن تكون اللاعب الأهم في هذا البلد.

غير أن المقال، في جوهره، يعكس إحساسًا بهزيمة سعودية مؤلمة في اليمن، ومحاولة للاحتماء بـ“ميتافيزيقيا” الجغرافيا لتغطية واقع صارخ: قطر والإمارات وإيران، وهي دول لا تملك أي حدود جغرافية مع اليمن، تبدو اليوم أكثر حضورًا وقدرة على التأثير في الملف اليمني من الجار السعودي نفسه.

حفلة التيه السعودية في اليمن بدأت عام 2011، حين تخلّت عن حلفائها التقليديين، وتعمّقت في 2017 مع فشل عاصفة الحزم، والانحناء الإجباري أمام صواريخ ومسيرات الحوثي، ثم اتسع الجرح مع التفوق الإماراتي الواضح في الميدان.

ما لم يلفت نظر كثير من المحللين، رغم أهميته القصوى، أن السعودية لا تملك اليوم أي تحالف محلي حقيقي في اليمن، وهي ممارسة “لا سياسية” وغريبة في منطق الصراعات.
الإمارات تتحالف مع المجلس الانتقالي الجنوبي ومع طارق صالح، وإيران وقطر تتحالفان مع الحوثيين، بينما تكتفي السعودية بلعب دور الوصاية الأخوية، دون بناء تحالف واضح مع أي قوة يمنية فاعلة.

ولهذا بدت عاجزة تمامًا أمام تمدد الانتقالي في حضرموت والمهرة؛ فلا هي تمتلك حلفاء محليين يمكن توجيههم للمقاومة عند الحاجة، ولا هي قادرة على خوض مواجهة عسكرية مباشرة داخل أرض خطرة ومتقلبة الولاءات.

تحاول السعودية أن تلعب لعبة مستحيلة: أن تكون وسيطًا محايدًا بين جميع القوى، وأن تؤدي دور الأخ الأكبر الوصي والعادل في صراعات بين “إخوة أعداء”. غير أن التفكير في قابلية هذا الدور سياسيًا هو بحد ذاته انتحار سياسي، وانسحاب تدريجي من الملف اليمني إلى نقطة ستجد فيها السعودية نفسها بلا تأثير ولا نفوذ في البلد الذي تتشارك معه أطول حدود جغرافية.

كما أن وهم الحياد بين قوى ترى في السعودية حليفًا استراتيجيًا، وقوى أخرى تراها عدوًا وجوديًا وتنتظر لحظة تركيعها، هو وهم قاتل بدأت نتائجه تظهر بوضوح في العجز السعودي المؤلم عمّا يحدث في الجنوب. وهي الهزيمة الثانية للسعودية في الملف اليمني خلال عقد واحد (2015–2025).

تحتاج السعودية اليوم إلى مراجعة جذرية لسياساتها في اليمن: إلى بناء تحالفات حقيقية وواضحة على قاعدة الشرعية الدولية والوحدة، وإلى تقوية القوى الوطنية المناهضة للحوثي بدل إضعافها، وإلى دعم الانتقالي الجنوبي بشكل مباشر ضمن إطار الدولة الاتحادية بدل الاستسلام لواقع الانقسام. كما تحتاج إلى التخلي عن وهم الوصاية الأخوية والمسافة الواحدة بين يد تريد مصافحتها وقبضة تريد كسر ذراعها.

ولو راجعت السعودية أداءها في الملف اليمني خلال الستين عامًا الماضية، لوجدت أنها انهزمت في كل مواجهاتها في اليمن. انهزمت في الستينيات أمام الثوار، وكانت تلك الهزيمة خيرًا لليمنيين ولها. وانهزمت في التسعينيات أمام طموح الوحدة، وكانت هزيمتها أفضل لليمنيين ولها. وانهزمت في عام 2015 أمام العنصرية الحوثية، وكانت تلك الهزيمة وبالًا وجحيمًا على اليمنيين وعليها معًا.

اليوم، اليمن والسعودية بحاجة إلى انتصار؛ انتصار ينقذ اليمن من الفوضى، وينقذ السعودية من حملة تركيع وشيكة.

هذه هي السياسة الواقعية، كما أراها. بعيدا عن أوهام الوصاية المتساوية. فالجغرافيا وحدها لا تصنع انتصارا ولا تمنح امتيازات بالمجان.

زر الذهاب إلى الأعلى