حرب أريتريا واثيوبيا الوشيكة

Author Icon مصطفى ناجي

ديسمبر 28, 2025

الحرب الوشيكة في القرن الأفريقي، والتي من شأنها أن تضاعف من تعقيدات أمن البحر الأحمر وتجعلَه ساحة تنافس إقليمي حاد، هي أن تهاجم إثيوبيا إريتريا للاستيلاء على منفذ بحري، بل وأكثر من ذلك.
لماذا أقول وشيكة؟
لأن تكديس السلاح يعني التأهّب لحرب، وهناك حركة نقل جوية استثنائية نحو أديس أبابا منذ شهر نوفمبر لا علاقة لها بالنقل الجوي المدني، والأرجح أنها حركة نقل سلاح.
سبق أن نشرت مصادر كثيرة أن أديس أبابا استقبلت مائة رحلة جوية في 2021 من الإمارات، قبيل المعركة مع جماعة التمرد المدعومة إريتريًا في جبهة تيغراي.
بل إن السلام الموقّع في 2022 لم يُفضِ إلى نهاية حقيقية للصراع.

شرعت كل من اريتريا و إثيوبيا ،إلى تحسين قدراتهما العسكرية بالحصول على أسلحة جديدة ومتطورة (سبق وحصلت إثيوبيا على طائرات مسيرة صينية، كانت اضافة فارقة في حربها مع جبهة التيغراي) وسلاح طيران وهي تحظى بهامش أكبر للحصول على سلاح قياساً باريتريا، التي يفرض عليها حصار تسليح منذ سنوات.

فمنذ شهور أيضًا تتبادل كلٌّ من إريتريا وإثيوبيا اتهامات التحضير للحرب. وبلغ الأمر أن صرّح كبار ضباط الجيش الإثيوبي بأنهم لا يقبلون بالبقاء دولة حبيسة، وسيأخذون ميناءً على البحر الأحمر.
من جهة ثانية، إذا تابعنا زيارات أسياس أفورقي الخارجية في الشهور المنصرمة من هذا العام، سنجد أنها حيث تتشكل المحاور الجديدة في أمن البحر الأحمر (القاهرة، بورتسودان، الرياض).
في مطلع هذا العام نشر معهد الشؤون الخارجية الإثيوبي، كتابًا هامًا بعنوان الاستراتيجية الكبرى للمائين، أي النيل والبحر الأحمر.
وهذا كتاب يرسم الاستراتيجية الإثيوبية لتحقيق، أو استعادة تحقيق، أحلام إمبراطورية إثيوبية من خلال السيطرة على مياه النيل ومياه البحر الأحمر.
يرتكز الإثيوبيون إلى مرتكزين؛ الأول ينهل من التاريخ الإثيوبي الطويل والإمبراطوري، والثاني إلى أن إثيوبيا دولة ذات كثافة سكانية كبيرة، ولا ينبغي لها إلا أن تكون قوة إقليمية كبرى، وبهذا فإن عليها أن تسيطر على المياه لتحقيق هذه الغاية.
يشعر الإثيوبيون بغبن إثر حرمانهم من البحر بتكوين دولة إريتريا. ومؤخرًا بدأت إثيوبيا تتجه لبناء انطلاقها على نحو عنيف، كما يتضح من مسلكها في بناء السد على حساب مباحثات قائمة، وأيضًا رغبتها في الوصول إلى مياه خليج عدن ،بإبرام اتفاقات مع حكومة صومالية انفصالية على حساب العلاقات الإثيوبية-الصومالية.
لكن منذ عامين طرأ شيء جديد في البحر الأحمر. ظهرت التهديدات الحوثية للمياه والملاحة في هذه النقطة، وتركّز التهديد على إسرائيل. وهذه الأخيرة لا ترغب بتأمين مصالحها في البحر الأحمر بمفردها، إنما تبحث عن شركاء إقليميين. علاقتها بدول البحر الأحمر العربية يشوبها حذر متبادل وتوجّس، ولا يمكنها أن تعتمد على هذه الدول لأن حضور إسرائيل يهدد مصالحهم، ولن يقبلوا هيمنتها العسكرية المطلقة في المنطقة.
وأفضل لها أن تبحث عن شريك عربي، لِمَ لا؟ لكن الأفضل أن تبحث عن شريك آخر يؤدي دور تفكيك أُصرة العرب ويقلّص أن يكون البحر الأحمر بحيرة عربية.
تستعد إثيوبيا لتشكيل قوة بحرية، وتستعد لمهمة تأمين الجزء الجنوبي من البحر الأحمر، وهذا لن يتم إلا بتعاون وثيق مع إسرائيل.
الاعتراف الأخير من إسرائيل بحكومة أرض الصومال يندرج ضمن هذا الهدف، ويسمح بتامين منطقة خليج عدن وجعله تحت مظلة هيمنة وحضور إسرائيل.

سيظهر وكلاء جدد غير عرب، وربما بينهم عرب، يؤمّنون ما تريد إسرائيل تأمينه. ليس هذا فحسب، بل يساعدونها في وضع هيمنتها على هذا الحوض المائي الهام. وبهذا تشدّد إسرائيل الخناق على دول عربية تراها منافسة أو عدوًا كامنًا مهما تقاربت منها مثل مصر وبالطبع السعودية.

كانت علاقة إريتريا بدولة الإمارات جيدة، بل إنها منحتها قاعدة عسكرية وحربية، ومنها انطلقت الأعمال القتالية الإماراتية في اليمن ضمن عاصفة الحزم. ثم قلّصت الإمارات حضورها في إريتريا لتحل محلها السعودية.
رغم أن إريتريا صديقة لإسرائيل أيضًا، إلا أن العلاقة الإثيوبية-الإسرائيلية تسمّم تلك الصداقة، وبهذا انتقل أسياس إلى معسكر جديد يخرجه من ضائقة العقوبات الدولية، ويحضر السلاح، ويمكنه من مجابهة إثيوبيا التي، للمفارقة، وقع معها اتفاقية سلام منحت أحمد أبي جائزة نوبل للسلام.

فهل أيقظت المغامرة الحوثية أطماع إسرائيل وعجّلت من تحقيقها في بسط نفوذ على جنوب البحر الأحمر ؟ أم كانت إسرائيل ستصل إلى هذه النتيجة في كل الاحوال؟

 

زر الذهاب إلى الأعلى