إبستين ـ معركة كسر عظام مؤلمة تُربك حسابات دونالد ترامب

الأخبار العالمية
اليمني الجديد+ DW

في زمن ما، عاش دونالد ترامب جنبا لجنب مع جيفري إبستين في بالم بيتش تربطهما على ما يبدو علاقة مودة، باتت تكلفتها اليوم باهضة، إذ تُجبر ترامب على خوض معركة ضارية، تَحمل كل يوم مفاجئات مُدوية، تُربك حسابات الرئيس الأمريكي.

لا تزال فضيحة الاعتداءات الجنسية المتعلقة بجيفري إبستين وارتباطاتها بالنخب الأمريكية، تتفاعل يوما بعد آخر، فيما يشبه زلزالا سياسيا يهز المجتمع السياسي والإعلامي في واشنطن، خصوصا وأن مركز الارتدادات ينبع من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه، الذي يزداد الضغط عليه بشكل مطرد، ليس فقط من قبل خصومه السياسيين، ولكن أيضا من طرف قاعدته الانتخابية وخاصة جماعة "اجعلوا أمريكا عظيمة مجددا" المعروفة باسم "ماغا".

قوة ارتدادات هذه الفضيحة ظهرت في ارتباك رد فعل ترامب الذي رفع دعوى قضائية ضد صحيفة "وول ستريت جورنال" يطالبها فيها بتعويض قدره عشرة مليارات دولار، على خلفية تقرير نشرته الصحيفة، وذكرت فيه أن ترامب كتب لإبستين عام 2003 رسالة تهنئة بمناسبة عيد ميلاده تضمنّت تعبيرات فيها إيحاءات، وتحدث فيها عن "سرّ". غير أن ترامب نفى صحة الرسالة، واعتبر ما يحدث مجرد "حملة مطاردة سياسية". ويذكر أن إبستين وُجد ميتًا في زنزانته بسجن مانهاتن عام 2019. وقد وُجّهت إليه تهم استغلال العديد من الفتيات والنساء الشابات القاصرات وإتاحتهن لشخصيات مشهورة. فهل كان ترامب ضمن تلك الشخصيات؟

بهذا الصدد كتبت صحيفة "بيلد" الألمانية الشعبية الواسعة الانتشار (24 يوليو/ تموز 2025) معلقة "باتت الولايات المتحدة مهووسة فعلا بالكشف عن خبايا قضة إبستين والسبب في ذلك هو دونالد ترامب نفسه. فقد وعد الرئيس الأمريكي خلال حملته الانتخابية بنشر جميع الملفات المتعلقة بالقضية، بما في ذلك "قائمة الزبائن" الغامضة لإبستين، والتي يُفترض، وفقاً لرؤية جماعة "ماغا"، أنها تضمّ بالأساس شخصيات ديمقراطية بارزة. لكن ترامب لم يفِ بوعده. (..) فهو يتهم باراك أوباما بمحاولة "انقلاب" وينشر وثائق سرية عن اغتيال مارتن لوثر كينغ، لكن كل ذلك لا يجدي نفعاً: أمريكا تريد الحديث عن ماضي ترامب مع إبستين. بعض التفاصيل حول ذلك معروفة منذ سنوات: كلا الرجلين كانا صديقين مقربين، رغم أن ترامب يحاول تصوير ذلك كمعرفة سطحية ليس إلا".

خيوط العلاقة الرفيعة بين ترامب وإبستين
تسليط الضوء على العلاقة التي كانت تربط ترامب مع إبستين جاء بعدما ندد الرئيس الأميركي بالتقرير الذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال". وتشير عدة وقائع إلى أن ترامب الذي كان قطب عقارات ورجل أعمال معروف، كان يعرف إبستين الذي كان بدوره معروفا كخبير في إدارة الأموال منذ التسعينيات. وهناك صورة انتشرت للرجلين تظهرهما وهما يضحكان عام 1992 مع مشجعات اتحاد كرة القدم الأميركية في منتجع مارالاغو الذي يملكه ترامب في فلوريدا.

وفي السنة نفسها، حل إبستين ضيفا وحيدا عند لترامب في مسابقة "فتاة التقويم" التي استضافها الأخير وشاركت فيها أكثر من عشرين فتاة، وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز". كما استقل ترامب طائرة إبستين الخاصة ما لا يقل عن سبع مرات في التسعينات وفق نفس التقرير، وهو ما نفاه ترامب بشكل قاطع. وعلاوة على هذه العلاقة الغامضة بين الرجلين، سبق وأن اتهمت حوالى عشرين امرأة ترامب بسوء سلوك جنسي. وفي عام 2023، أدين بالاعتداء الجنسي على الصحافية الأميركية إي. جين كارول في محاكمة مدنية.

وظهرت العلاقة الوطيدة بين ترامب وإبستين في مقال في "نيويورك ماغازين" عام 2002 وصف فيه ترامب صديقه بأنه "رجل رائع" واستطرد في مدحه قائلا "إنه شخص مرح جدا. يُقال إنه يحب النساء الجميلات مثلي، وكثير منهن أصغر سنا". غير أن الأكيد أيضا أن العلاقة بين الرجلين انقطعت فجأة عام 2004 حينما تنافسا على شراء عقار في فلوريدا ظفر به ترامب في نهاية المطاف. عودة هذه التفاصيل الجديدة / الجديدة القديمة تسببت في ازعاج كبير لترامب ولسردية خطابه الشعبوي أمام حتى مناصريه. وبهذا الصدد كتب موقع "تاغسشاو" التابع للقناة الألمانية الأولى (16 يوليو/تموز 2025) معلقا "قال ترامب إنه لا يفهم الجاذبية والاهتمام بقضية إبستين بالنسبة لمؤيديه. وأضاف أنه يعرف محتويات ملفها ووصفها بأنها "قذرة لكنها مملة" واستطرد الموقع ساخرا "حكايات المؤامرة والوعود بالشفافية حول ما يُزعم أنها شبكات سرية في أجهزة الدولة الأمريكية هي التي أوصلت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. والمفارقة اليوم هو أن هذا ما يهدد بالانتقام من حزبه ومنه شخصياً."

اسم ترامب حاضر في ملفات إبستين
فضيحة تبدو ككرة ثلج متدحرجة، ففي آخر تطور، أفادت وسائل إعلام أمريكية (23 يوليو/تموز 2025) بأن وزيرة العدل الأمريكية بام بوندي أبلغت الرئيس في وقت سابق من هذا العام بأن اسمه ورد في وثائق تتعلق بجيفري إبستين. ونقلت صحيفتا "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز" عن مصادر مطلعة تفاصيل اللقاء، حيث أبلغ ترامب بأن الوثائق تشير إليه وإلى شخصيات بارزة أخرى. وكان ترامب، الذي يتعرض لضغوط من أجل نشر الوثائق بعد أن تعهد بذلك خلال حملته الانتخابية، أنكر الأسبوع الماضي أن بوندي أبلغته بورود اسمه في الملفات، لكنه أقر بتلقيه إحاطة عامة حول الموضوع. ووفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، تم إبلاغ ترامب خلال الإحاطة بأن الوثائق تحتوي على شائعات غير مؤكدة عن عدد من الأشخاص، من بينهم هو نفسه، ممن كانت لهم علاقات سابقة بإبستين. ووصف المسؤولون الاجتماع بأنه إحاطة روتينية تناولت عدة مواضيع. وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب أبلغ أيضا بأن وزارة العدل لا تعتزم نشر مزيد من الوثائق المتعلقة بإبستين، بسبب مخاوف من كشف معلومات حساسة تخص الضحايا. وأيد ترامب هذا القرار، بحسب التقارير.

صحيفة "برافدا" السلوفاكية (21 يوليو/تموز 2025) كتبت معلقة "في العصر الذهبي لمغامرات إبستين، كانت استعراضات القوة من قبل المُستغلين الذكور جاري بها العمل، حتى وإن كانت غير مقبولة. كان الصمت هو سيد الموقف، وكان "من اللائق" التزام الصمت، وغالباً ما كان يُسخر من الضحايا علنًا. نعم، كانت الفضائح الجنسية للسياسيين أمراً معتاداً. لكن ما نتعامل معه هنا مختلف. نحن أمام زمرة من المنحرفين النخبويين الذين يمارسون أعمالاً تجارية مشبوهة، وقد أصبحوا سياسيين أصلاً بسبب انحرافاتهم. ناخبو ترامب وقاعدة حركته "اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا" كانوا غاضبين من الجميع، وقد استفاد ترامب من ذلك الغضب. أما الآن، فإن هذا المزاج الغاضب ينقلب ضده".

زر الذهاب إلى الأعلى