من قتل محمد ناجي أحمد: قتله أزلام الكهنوت الإمامي فتحي أبو النصر
ترك محمد ناجي أحمد، بصمة عميقة في وجدان المثقفين اليمنيين وكل من قرأ له، ليس كمثقف نقدي فقط وانما كمثقف مسيس يشرح الخطاب ويشرحه.. حمل على عاتقه قضية الحرية والتحرر من الظلم الإمامي. بينما كان اغتياله عبر دراجة نارية نقطة سوداء أخرى في تاريخ طويل من استهداف المثقفين، ممن سعوا جاهدين للوقوف بوجه الكهنوت الإمامي المتشبث بسلطة لا تنبثق من إرادة الشعب بل من أفكار مظلمة تعيد اليمنيين إلى عصور الظلام.
مسيرته الفكرية والنقدية رسمت طريقا مختلفا ،كان صاحب رؤية يسعى من خلالها لنقل اليمن إلى مستقبل يتسم بالتفكير المختلف والمساواة، بعيداً عن تقاليد الإمامة التي رسخت ثقافة الهيمنة والقمع.
مبكراً اتجه إلى نقد حاد وصادم للسلطات الدينية والسياسية، مستندا إلى فكر يستنكر استغلال الدين، للسيطرة على العقول وحبس اليمنيين في دوائر من العبودية والتبعية.
كان المفكر الصديق محمد ناجي أحمد مثالاً شجاعاً للتنوير والتغيير، ولم تكن رؤيته مجرد أفكار عابرة، بل كان يتبناها بصدق وإخلاص، ويقدمها دون مخافة إلى المجتمع، رغم كل المخاطر المحيطة به.
كان يؤمن بأن النظام الإمامي يحاول بسط نفوذه ليس فقط على الأرض، بل على الفكر والروح، وأن اليمنيين يستحقون وطناً يحترم إنسانيتهم وحقهم في تقرير مصيرهم.
في آخر أيامه عارض محمد ناجي أحمد الكهنوت الإمامي الذي يحول الدين إلى وسيلة لتكريس الهيمنة، الكهنوت الذي يرى الناس مجرد أتباع يحرم عليهم التفكير،هو الذي تبنى فكراً حداثيا ينادي ببناء دولة مدنية تحترم تعدد الآراء والحقوق، وتضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.
كانت رسالته تهدف إلى إحداث يقظة فكرية تجعل اليمنيين قادرين على رفض الهيمنة، والتطلع إلى مستقبل أفضل، لم يكن فكر محمد ناجي أحمد وليد لحظته، بل هو نتاج تراكم تاريخي من المعرفة، والتجربة، والرؤية العميقة.
كان يرفض كليا التواطؤ مع حركات الإسلام السياسي، وهو القادم من الفكر القومي بانحياز يساري، وعليه لم يكن يخاف من الترهيب، ولم يتراجع عن مبادئه رغم معرفته بالمخاطر التي كانت تلاحقه، وكان يدرك أن طريق التغيير مليء بالتحديات، لكنه آمن بقدرة اليمنيين على التغلب على هذه العقبات.
في سجالاته الأخيرة مع صلاح الدكاك لم يكن يُطيق رؤية أي فكر مضاد للجمهورية ،كان النظام الإمامي وأذرعه المتعددة يسعى لإسكات كل من يقف ضد طغيانه، هؤلاء الأزلام، الذين كانوا يترصدون كل تحرك لمحمد ناجي أحمد، يمثلون أدوات الإمامة الفكرية في ترهيب وقمع الفكر الحر واسكات المعارضين .
وتاريخيا، لم تتوانى الإمامة عن استخدام كل وسيلة ممكنة لإبقاء اليمنيين تحت سيطرتها، بدءا من نشر الخرافات والأساطير التي تعزز تفوق السلالة الإمامية،مهمة صحيفة" لا "وصولا إلى تصفية المعارضين جسديا.
ولقد كانت عملية اغتيال محمد ناجي أحمد مثالاً حياً على هذه السياسة القمعية.
قتله لم يكن مجرد حادث عابر، بل رسالة لكل من يفكر بالتحرر والتمرد على سلطة الإمامة، كانت الجريمة مدبرة بدقة، بهدف إيقاف صوته القوي الذي هز أركان أزلام الكهنوت، وحرك عقول وقلوب اليمنيين..
وقعت جريمة اغتيال محمد ناجي أحمد على مراحل أولا التحريض التخوين رفع اليد عنه ، محاولة اغتياله في صنعاء..وقد تجاوز الخطوط فاضحاً حقد النظام الإمامي على الفكر الحر، بعد رحيله المباغت الصادم، سادت حالة من الغضب والحزن بين أوساط المثقفين والسياسيين، كان غيابه فجأة عن المشهد ضربة قاسية لحركة التنوير اليمنية، التي كانت تعاني بالفعل من القمع والتضييق،وبلاشك سعى النظام الإمامي، عبر هذا الاغتيال، إلى إيصال رسالة مفادها أن لا مكان لأي صوت معارض، وأن دماء المثقفين والأحرار ستظل مستباحة إذا ما حاولوا الوقوف بوجهه..
موقفه موقف المثقف الذي لايهادن.. يرى الرواية فلسفة العصر.. و له كتاب نقد الفكر الابوي وكتاب الهويات الطاردة _ المذكرات السياسية في اليمن _ والذاكرة الوطنية والحزبية . السرد في اليمن، من سلطة المجاز إلى غواية التفاصيل.
كان له اهتمامات نقدية في عديد صحف ومواقع تشمل الأدب والسياسة والتاريخ، لكن الملاحظ أنه خلال السنوات الأخيرة أعطى للفكر السياسي والتاريخي حيزاً أوسع من اهتماماته .
هو ناقد موسوعي، يمتلك رؤية مكثفة عن الفكر والتاريخ والأدب اليمني، مما يجعل من توصيفاته وتحليله واستقراءاته شاملة للخطاب الثقافي والسياسي اليمني..
من أهم اصداراته تحرير التحيزات ٢٠٠٨. وكتاب الهويات الطارده ٢٠١٠
قال في حوار مع لؤي سلطان أن حجم التحديات التي عاشتها الثورة اليمنية، جعلتها لا تولي مسألة الإصلاح الزراعي والإصلاح الإجتماعي، وإحداث خلخلة في الأنساق الاجتماعية الماضوية، وإحلال أنساق اجتماعية حداثية وعصرية، وحجم التحديات السياسية المحلية والإقليمية والدولية ،جعلها تولي اهتمامها في ترسيخ الثورة اليمنية والجمهورية اليمنية سياسيا.
وبالتالي فإن خمس سنوات من الثورة اليمنية عام 1962 إلى 5 نوفمبر 1967 كانت سنوات تثبيت الجمهورية اليمنية، وجعلها واقعاً يصعب شطبه أو الالتفاف عليه، وهذا لا يعني أن القيادة السبتمبرية آنذاك برئاسة الرئيس عبد الله السلال لم تكن تعي أهمية التحولات الاجتماعية، بالعكس كان هناك تصورات قدمها عديد من المثقفين والمفكرين في ذلك العصر، ومنهم عبد الله باذيب عام 1963 قدم تصوراً مرموقاً في التحولات الاجتماعية .
برأيه فإن ما حدث ايضا مع انقلاب 5 نوفمبر تم إفراغ الثورة السبتمبرية من نهجها السياسي، وبالتالي تحولت الثورة إلى شكل جمهوري بمحتوى قبلي، مما عزز التراتبية الإجتماعية السابقة وكأن الثورة اليمنية مجرد إحلال وتداول غير سلمي ما بين طبقة المشيخ وطبقة السادة، كان إفراغا للثورة التي كانت تنص على إزالة التراتبية الطبقية وخلق مجتمع مواطنة.
والملفت للنظر أن هذه المصالحة كما يشدد محمد ناجي خدمت وعززت نفوذ وهيمنة القوى الاجتماعية ،التي يمكن وصفها بالمحافظة أو بالرجعية، والعديد من القوات الملكية تم استقطابهم لتنظيم الإخوان المسلمين ولقوى المشيخ السياسي، كان هذا الثنائي المشيخ السياسي والإسلام السياسي، المستفيد من هذه المصالحة الجمهورية الملكية.
يقول محمد ناجي احمد ":لقد جعلونا نصبح جزراً محتربة. وهذا ما وصلنا إليه اليوم.
بل قالها صريحة ،" ليس هناك قائد وطني قوى، يمكن أن يعين أو يساعد على تخليق مشروع وطني، تعددي ديمقراطي."
هكذا كان محمد ناجي أحمد ضد التفكير الرغبوي، والواقع الذي نعيشه من اصطراع اقنعة الطائفية ، يكاشفنا أكثر "الملحدون في اليمن نسخة من التدين المنقوص واللامتسامح، هم يقفزون على الواقع الذي نعيشه ومعطياته وتحدياته، لهذا لا يتصدون لعملية تغييره.
"سنجدهم يمجدون تراثات بمزاج مناطقي … لكنهم الريفيون الملحدون بسحناتهم ولغتهم وتحيزاتهم وتعصبهم يظلون دينيين قرويين،أو ملحدين ريفيين، بكل ما يعني هذا التركيب من بداوة دينية وقشرة حداثية"
ثم بجرأة يقول لا" أعتقد أنه من الموضوعية أنني كلما اختلفت مع توجه أو رأي يقوم البعض باستحضار مواقفي السابقة مع الحوثيين، رغم أنني طيلة السنتين الأخيرتين وجهت نقدي لبنية التفكير والفكر الحوثي،كولاء وولاية وتسليم وانقياد،بمعنى لم يكن خلافي مع الحوثية والحوثيين شخصيا، ولا اتفاقي نفعياً وإنما كان الموقف، ثم ترتب على مواقفي القطيعة بيني وبينهم، أي فقدان المنفعة الشخصية بسبب الموقف وليس العكس.
حتى في موقف صلاح الدكاك مني كان سببه أنه انزعج وظل يراكم مشاعره، من عدم اتخاذي لمواقف تصف جغرافية ما بالدواعش، أو الأشخاص بالارتزاق لأنهم يقفون في الضفة المقابلة للحوثيين، بمعنى لم اكن مشرعنا للقتل، ولا محرضاً عليه، وإنما كنت أعبر عن قناعاتي في سياق إيماني بالوطنية اليمنية الجامعة، بما في ذلك مقالاتي التي كنت أنصح فيها الحوثيين أن يكونوا جزءا من الوطنية اليمنية، لا استنباتا مذهبيا وتطييفيا للصراع ...
ويوضح "موقفي من الحوثيين والحوثية ترتب عليه فقدان مصالح ومنافع وليس العكس.'
لكن تهريج هذا البعض، حين أكون في سياق نقد اقنعة الطائفية الجهوية أو المناطقية يقوم باستدعاء كتاباتي في صحف الحوثيين!
إن لم يكن هذا هو الانحطاط متجسدا بوعيه الثأري ضيق الأفق فماذا يمكن أن نسميه!
لا يجروء الكثيرون على انتقاد الحوثية والحوثيين، ومن داخل صنعاء كما كتبت وبكل مواجهة نقدية ومكاشفات...
الانتهازي ينتقل من ضفة ارتزاق إلى أخرى، وهو بطبعه وحاله ومقامه جبان. والجبان لا يكر، إنما يفر.
فهل من سمات الانتهازي والنفعي أن ينتقد ويُعَرِّي الحوثية، كهاوية نقيضة للوطنية اليمنية، ومن صنعاء لا فارا إلى جغرافية مغايرة ومصلحة يحتمي بها؟
هؤلاء البعض بهذا النهج يخدمون الحوثي والحوثية...
فأقنعة الطائفية تتخادم وجوديا، ولهذا تزامن نفوذها وهيمنتها على الجغرافيات المفككة.
الانحطاط في أن تحاكمني على مواقف ماضية سبق ان راجعتها ومستمر في نقدها وتعريتها...
كل أقنعة الطائفية قيعان تدميرية، وتصبح المفاضلة بينها قائمة على الوهم... فكلها اشباه ونظائر..."
**
كان شقيقه الاكبر المثقف المعروف أحمد ناجي أحمد قد كتب عقب حادثة إغتيال المفكر والناقد والكاتب محمد ناجي احمد
"لم تكن حادثة إغتيال الشهيد المفكر محمد ناجي احمد ،إلا خاتمة للفعل الإجرامي الذي كانت مقدماته، تتلخص في تعرضه لمكالمة تلفونية من مصدر مجهول تهدده بالإغتيال، وتكتم الاستاذ محمد ناجي احمد، ولم يشر إلى هذه الحادثة في منشوراته.
كما انه تعرض لصدمة موتور سيكل في صنعاء وسامح صاحب الموتور سيكل، ولم يشر إلى هذا الموضوع في منشوراته، لكن شبح الإحساس بالإغتيال كان قوياً وبارزاً في كتاباته
ولذلك عندما نقول ان حادثة الإغتيال الذي تعرض لها الشهيد محمد ناجي احمد في السابع والعشرين من ديسمبر 2021 ميلادية، كانت خاتمة لهذا الفعل الإجرامي الذي اودى بحياة مفكر ومثقف نبيل ،كان يمكن ان يسهم في خدمة الوطن في ظرف الوطن أحوج ما يكون إلى جهد مثقفيه وعلمائه، في صناعة ثقافة السلام والنضال من اجل وطن "
في الحوبان "كان المجرم يترصد المفكر محمد ناجي احمد ويراقبه ،وكان المجرم يسوق دراجة نارية وبينما كان المفكر محمد ناجي احمد يصعد دراجة نارية ،بالقرب من مول مجمع ريفان الدولية في منطقة الحوبان الخاضعة لسلطة صنعاء شرق تعز، لم يكن من المجرم إلا ان اسرع وصدم الموتور الذي كان يركب فيه محمد ناجي احمد ،ولم يكتف المجرم بصدمة محمد ناجي احمد التي اسقطت محمد ناجي احمد أرضاً بل انه مضى بدراجته النارية وساقها مسرعاً فوق جمجمة الاستاذ محمد ناجي احمد ،وفر القاتل بدراجته النارية على الرغم من وجود نقطة عسكرية بالقرب من مكان الحادث، ولكنها لم تحرك ساكنا وفر المجرم هاربا وبقيت جريمته شاهدة عليه، حيث عانى الأستاذ محمد ناجي احمد من آثار ذلك العمل الغادر والجبان، حتى فاضت روح الشهيد المفكر محمد ناجي احمد إلى بارئها في الثامن من يناير 2022 ميلادية...