عودة عناصر من قوات طارق صالح إلى صنعاء: دلالات الانشقاق وإشكاليات الولاء في جبهة الساحل الغربي

Author Icon الدكتور |● عبد القادر الخلي

يونيو 8, 2025

أعلنت جماعة أنصار الله (الحوثيون) خلال عطلة عيد الأضحى عن عودة كتيبة كاملة من قوات الساحل الغربي الموالية للعميد طارق محمد عبد الله صالح، إلى صفوفهم في العاصمة صنعاء. وقد اعتبر القيادي في الجماعة محمد البخيتي هذه العودة "عيدًا ثانيًا"، في تعبير رمزي عن الانتصار السياسي والمعنوي، مؤكّدًا أن هذه ليست المرة الأولى التي تنضم فيها عناصر من قوات طارق إلى جماعة الحوثيين.

هذه التطورات تفتح بابًا واسعًا للتساؤلات حول تماسك قوات الساحل الغربي، وإعادة النظر في طبيعة ولائها للنظام الجمهوري، خصوصًا في ظل تعقيدات المشهد العسكري اليمني والانقسامات العمودية التي طالت مختلف التشكيلات العسكرية. فما حقيقة ما جرى؟ وما الكيفية التي تُدار من خلالها هذه التحركات العسكرية التي تفتقر إلى الشفافية؟ وما هي القنوات التي تُستخدم للتواصل بين بعض قيادات طارق صالح والحوثيين؟

أولًا: حقيقة الانشقاق بين الثابت والدعائي

حتى لحظة كتابة هذا التحليل، لم يصدر تعليق رسمي أو نفي قاطع من قيادة قوات طارق صالح بشأن عودة كتيبة كاملة إلى صنعاء، وهو ما يفتح الباب أمام عدة احتمالات: فإما أن تكون الجماعة الحوثية قد ضخّمت الحدث إعلاميًا لأغراض معنوية، أو أن هناك بالفعل انشقاقات ملموسة تُحرج قيادة القوات المشتركة في الساحل الغربي وتضعف موقفها السياسي والعسكري.

وفي الحالتين، فإن تكرار هذه الحوادث — سواء كانت فردية أم جماعية — يعكس هشاشة في الضبط التنظيمي والولائي داخل تلك القوات، ويثير مخاوف حقيقية بشأن قابلية هذا التشكيل العسكري للاستمرار كقوة متماسكة في المدى البعيد.

ثانيًا: إشكالية الولاء في معسكر "الشرعية" المفترضة

قوات الساحل الغربي تُقدَّم — نظريًا — كأحد أجنحة "الشرعية" المناهضة للحوثيين، ولكن الواقع الميداني يؤكد تباينات حادة في الأهداف والمواقف. فمن جهة، تتلقى تلك القوات دعمًا مباشرًا من الإمارات خارج إطار الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ومن جهة أخرى، تنحو إلى خطاب خاص بها لا يتماهى تمامًا مع الخطاب الرسمي للدولة اليمنية.

هذا التناقض يخلق فراغًا في الهوية السياسية والعسكرية، ما يجعل بعض الأفراد داخل تلك التشكيلات عرضة للاستقطاب أو الانشقاق، خصوصًا في حال تدهور الأحوال المعيشية أو غياب الحوافز القتالية والولائية.

ثالثًا: الكيفية والآليات: كيف تتم العودة إلى صنعاء؟

بحسب ما يتسرب من شهادات ميدانية وتقارير إعلامية، فإن عمليات الانشقاق لا تتم بشكل فوضوي، بل تُدار غالبًا عبر وساطات محلية أو قنوات سرية للتواصل. بعض هذه القنوات تشمل زعامات قبلية تتواصل مع قيادات من الطرفين، أو عبر تنسيق مباشر يتم على مستوى الميدان بين نقاط التماس. وهناك تقارير تشير إلى وجود ما يشبه "العفو الضمني" من طرف الحوثيين، مع تقديم ضمانات بالأمان واحتواء العائدين في صفوفهم، بل وأحيانًا إعادة دمجهم بمكافآت مالية ومواقع تنظيمية.

رابعًا: تداعيات محتملة على المشهد العسكري والسياسي

إن تكرار هذا النوع من الانشقاقات يُضعف من الثقة الإقليمية والدولية في قدرة قوات طارق صالح على لعب دور حاسم في معادلة الحرب اليمنية. كما أنه يطرح علامات استفهام حول مدى إمكانية بناء جيش وطني موحّد في المستقبل، طالما استمرت هذه الانقسامات الأفقية والعمودية داخل القوى المناهضة للحوثيين.

وبعيدًا عن الحسابات العسكرية، فإن هذا الحدث يُعيد طرح سؤال أكثر جوهرية: هل يمكن لقوة لا تملك مشروعًا وطنيًا موحدًا، أن تواجه جماعة تمتلك تصورات عقائدية ومؤسسات تنظيمية أكثر تماسُكًا؟

خاتمة

إن عودة عناصر من قوات الساحل الغربي إلى صنعاء، إن كانت واقعة حقيقية وليست محض دعاية، فهي مؤشر على تصدّع داخلي لا يمكن إنكاره. كما أنها تفرض على قيادة طارق صالح وقوى "الشرعية" إعادة تقييم بنيتها التنظيمية والاستراتيجية، قبل أن تفرض الوقائع العسكرية والسياسية منطقها الصارم على الأرض.

زر الذهاب إلى الأعلى