المأساة عينها ..

Author Icon محمد علي محسن

يونيو 11, 2025

حين تكررت انقطاعات تيار الكهرباء بسبب اعتداءات التخريب لخطوط الطاقة في مأرب في نيسان من العام ٢٠١١م ؛ أول ما استلمت مرتبي الشهري من " كاك بنك " ، ذهبت إلى محلات علي محمد حسين لتجارة المواد الكهربائية .
كنت وقتها بمعية أبي مأرب ، الفقيد عباس صالح الشاعري ، رحمة الله تغشاه ، كان مرتبي ٩٣ الف ريال ، والدولار قيمته ٢٢٢ ريال . سألت البائع عن قيمة مولد ٣ كيلو وات ، ماركة النمر الصيني " تيجر " ؛ فأجاب : ب ٤٤ الف ريال ، تضاهي ٢٠٠ دولار .

دفعناها بكل يسر ، وتوجهنا لأقرب محطة وقود لتعبئة صفيحة بنزين سعة ٢٠ لتر ب ١٥٠٠ ريال . عُدنا والبهجة تتصدر وجهينا بحصولنا على المولِّد ، وأثناء عودتنا بسيارة أبي مأرب ، عرَّجنا على بقالة محسن العُسق ، حيثما دفعنا فاتورة ما استدناه من متجره خلال شهر أو يزيد .

كان أجمالي ما أستهلكته العائلة من دقيق وبر وزيت ورز وشاي ووو الخ ١٦ الف ريال . طبعا أخذت معي حبة دجاج ب ١٢٠٠ ريال ، وقات ب ١٠٠٠ ريال ، إضافة إلى خضرة وفاكهة تكفي لاسبوع بقيمة ٣٦٠٠ ريال .
المهم عدت للبيت وفي جيبي أكثر من ربع المرتب ، وحتمًا سيكفي مصاريف يومية ، وكذا لشراء متطلبات البيت من غاز ودواء وماء وكهرباء ..
احدِّث الفتيان عن هذه الأشياء فيظنُّون أنني أهذي أو أنني أقصُّ عليهم فيلمًا هنديًا شاهدته في طفولتي ، رغم أنني لم أحدِّثهم عن زمن بريطانيا في عدن ، ولا عن حال اليمنيين قبل الوحدة أو بعدها .

ومعهم كل الحق ، فهم لا يدركون مأساتنا ، فما كنت اتقاضاه شهريًا نحو ٤٢٠ دولار - تضاهي ١٦٠٠ ريال سعودي - ، وهذا المرتب ضئيل للغاية مقارنة بمرتبات الموظفين في دول الجوار ، لكنه على الأقل كان يغطي ضروريات الحياة اليومية ، ويحفظ لنا كرامتنا .

وإذا كان مرتبي الان لا يزيد عن ٢٠٠ ريال سعودي - ويزيد قليلا عن ٥٠ دولار - ؛ فكيف بمرتب متقاعد لا يتعدى ٤٢ أو ٤٦ ريال سعودي ؟! . تخيلوا أننا المأساة بعينها ، ومع وقعها علينا ليس هنالك من يصغي أو يخجل أو يتألم ..

أسأل وبمرارة عن ماهية ما خسرناه ؟ وعن حالنا اليوم في وطن فُقدت فيه كرامة الإنسان ، ومعها فُقد الحياء من وجوه المسؤولين . وعندما تُفقد الكرامة والحياء فعن أي حياة وحرية ومواطنة وعدالة ووطن يمكن الحديث ؟! .

مسؤولون ليس لديهم أدنى احساس بمعاناة النَّاس ، يتقاضون مرتباتهم بالدولار وبالريال السعودي وبلا أدنى إحترام لذاتهم وللمسؤولية ، بل وأكثر من ذلك ، إذ يعيشون حياة مترفة وبلا أي إعتبار لشعب يماثل مأساة عظيمة عرفتها البشرية في عصور الظلام والإنحطاط ..

 

زر الذهاب إلى الأعلى