الحوثيون وتجارة المخدرات : اقتصاد الظل وعقيدة التدمير الناعم

Author Icon عبد الواسع الفاتكي

يونيو 26, 2025

في الوقتٍ الذي يعيش فيه اليمن واحدة من أسوأ أزماته الإنسانية والأمنية ، تبرز تجارة المخدرات كأحد الأعمدة الرئيسية ، التي تستند إليها ميليشيا الحوثي ، في تمويل أنشطتها العسكرية والسياسية ، هذه التجارة المحرّمة لم تعد مجرد وسيلة ربح غير مشروع ، بل تحولت إلى أداة استراتيجية شاملة تمس الأمن القومي والاجتماعي ، وتستخدمها مليشيات الحوثيين ضمن شبكة إقليمية عابرة للحدود .

منذ سنوات الحرب الأولى ، بدأت جماعة الحوثي في بناء اقتصاد مواز يقوم على التهريب ، والسوق السوداء ، والجبايات ، وكان لتجارة المخدرات موقع الصدارة ؛ فالتقديرات تشير إلى أن الحوثيين يجنون ما بين مليار إلى مليار ونصف مليار دولار سنويا من تجارة المواد الممنوعة ، وعلى رأسها الحشيش ، والكبتاجون ، والشبو، والهيروين ، والترامادول .

تجارة المخدرات لم تعد مقتصرة على شبكات صغيرة أو نافذين ، بل أصبحت عملا ممنهجا يشرف عليه قيادات عليا في مليشيات الحوثيين ، خصوصا من الجهاز الأمني المعروف بالأمن الوقائي ؛ حيث يعد ذراعا استخباراتيا واقتصاديا ينشط في هذا المجال .

تشير المعلومات إلى أن تجارة المخدرات في اليمن لا تتم بمعزل عن الأذرع الإقليمية الداعمة للحوثيين ؛ فـالحرس الثوري الإيراني ، الذي يمول أذرعه في المنطقة عبر أساليب التهريب وتجارة السلاح والمخدرات ، يقدّم الدعم الفني والتدريبي للحوثيين ، خصوصا في ما يتعلق بأساليب الإخفاء ، والتهريب ، وشبكات التوزيع ، كما يتقاطع الدور الإيراني مع حزب الله اللبناني ، الخبير في هذه التجارة ، إلى جانب نظام بشار الأسد قبل سقوطه ، الذي تحوّل منذ سنوات إلى مركز إقليمي لإنتاج الكبتاجون ؛ حيث تشير تقارير دولية إلى تورط مصانع يديرها نظامه في تصدير المخدرات إلى الخليج وأوروبا مرورا بلبنان واليمن .

استخدمت جماعة الحوثي عدة مسارات للتهريب : المسار البحري عبر موانئ الحديدة التي تسيطر عليها ؛ موانئ رأس عيسى والصليف وكمران ، تستخدم كقنوات لاستقبال الشحنات من إيران ولبنان مرورا بالساحل الإفريقي ، المسار البري عبر صحراء الجوف ومأرب وصعدة ؛ لتسهيل وصول الشحنات إلى الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية ، المسار الجوي عبر استخدام طائرات مسيّرة صغيرة ؛ لتهريب المخدرات إلى المناطق الحدودية ، كما كان يصنع نظام بشار الأسد في تهريب المخدرات للأردن والعراق .

تمكنت قوات خفر السواحل اليمنية والقوات الدولية المتواجدة في بحر عمان والبحر العربي والبحر الأحمر من ضبط عشرات الشحنات ، كانت في طريقها للحوثيين ، بينها ما يزيد عن 70 طنا من المواد المخدرة ضبطتها القوات البحرية الأمريكية .

الريع الاقتصادي لتجارة المخدرات الحوثية ، لا يتوقف عند الشراء والبيع ، بل يستخدم في تمويل مشروع الحرب بالكامل. ويقدر خبراء الاقتصاد ان توزيع الحوثيين لعائدات المخدرات على النحو التالي : 60% للمجهود الحربي شراء الأسلحة ، وتطوير الصواريخ ، وانتاج لطائرات المسيّرة ، 25% لرواتب الجنود والمشرفين ، 15% لغسل الأموال عبر شركات تجارية وعقارية تعمل في الظاهر بشكل قانوني .

إلى جانب البعد المالي يستخدم الحوثيون المخدرات كأداة لتفكيك المجتمع ، عبر استهداف الشباب ما بين سن 15 إلى 35 عاما ، لا سيما الذكور ، في الجامعات والمدارس والمراكز الصيفية ومجالس القات ، إضافة لتجنيد النساء والفتيات ؛ لتهريب المواد المخدرة ، ويتم توريط المراهقين عبر منحهم المخدرات مجانا ، ثم ابتزازهم وإجبارهم على الترويج .

تشير دراسات اجتماعية إلى أن المقاتلين الحوثيين يتم تزويدهم بـالمخدرات تحت مسمى حبوب الشجاعة ، وهي منشطات مخدرة تؤدي إلى تغييب وعيهم الأخلاقي والإنساني ، وتجعلهم أكثر طاعة وانقيادا لأوامر المشرفين ، ويمنح الحوثيون تعاطي مقاتيلهم المخدرات بعدا أيدلوجيا ؛ حيث تقدم لهم كمحفزات لتقوية ما يسمونه الجهاد ، واستمرار القتال لفترات طويلة ، وخلق قطيع من المقاتلين التابعين غير القادرين على التفكير المستقل ؛ فالحوثيون لا يعتمدون على فرض السيطرة بالقوة ، بل أيضا بتدمير إرادة الرفض ، كما يبيح الحوثيون استخدام المخدرات ضد خصومهم بوصفها أداة تفجير وتدمير ذاتية للخصوم .

يلاحظ تنامي الجرائم المجتمعية في مناطق سيطرة الحوثيين ، مثل قتل الأقارب ، وجرائم انتهاك الحرمات ، والاعتداءات الوحشية ، وهو ما يربطه أخصائيون نفسيون بتعاطي المقاتلين لأنواع مختلفة من الحبوب المخدرة ، التي تؤثر على التوازن العقلي والنفسي ، وتفرغ الإنسان من هويته وقيمه .

أمام التهديد الشامل المخدرات ، يرى مراقبون أن معالجة تجارة المخدرات لا يجب أن تكون ضمن دائرة مكافحة الجريمة فقط ، بل ضمن استراتيجية أمن قومي يمني شاملة ، تشمل تشديد العقوبات على المهربين والمروجين ، وإنشاء هيئة وطنية مستقلة لمكافحة المخدرات تتبع رئاسة الحكومة ، وتتمتع بصلاحيات واسعة ، وتمويل مباشر ، وتعزيز العمل الاستخباراتي والتنسيق الأمني بين كافة الأجهزة ، وإنشاء مراكز تأهيل وعلاج لضحايا الإدمان، بدعم حكومي ودولي ، ورفع الوعي المجتمعي ، وتكثيف الحملات الإعلامية والتعليمية حول مخاطر المخدرات.

ليست تجارة المخدرات لدى جماعة الحوثي مجرد وسيلة تمويل ، بل هي جزء من عقيدة التدمير الممنهج ، التي تتلاقى مع نهج أذرع إيران في لبنان وسوريا والعراق ، إنها حرب ممنهجة تستهدف المجتمعات قبل الأنظمة ، وتحاكي في أهدافها تجربة بريطانيا في إغراق الصين بالمخدرات خلال القرن التاسع عشر ، إنها حرب ضد الإنسان اليمني وضد وعيه ، وأمنه ، واستقراره ، وحين يتحول خطر تجارة المخدرات من جنائي إلى وجودي ، تصبح المواجهة حتمية ، ومسؤولية وطنية ، وعربية ، ودولية .

عبدالواسع الفاتكي

زر الذهاب إلى الأعلى