شرعية بلا شعب... ومجلس قيادة بلا قضية
في لحظة فارقة من تاريخ اليمن، تتكشف الحقائق كما هي بلا رتوش، وتسقط الأقنعة عن وجوه طالما تحدثت باسم الشرعية والتمثيل الشعبي. لم تعد الشرعية، بمجلسها القيادي وحكومتها، تعبّر عن نبض المواطن ولا عن تطلعاته، بل تحولت إلى كيان هشّ، مفصول عن الواقع، فاقد للثقة والوظيفة، يتآكل من داخله وتنهشه الصراعات والمصالح.
تجتمع هذه الشرعية في فنادق المنفى، وتصوغ بياناتها بعبارات باردة لا تلامس عمق المأساة اليمنية. في المقابل، يعيش المواطن معارك يومية من أجل البقاء. لا كهرباء، لا ماء، لا رواتب، لا أمن، ولا خدمات. والمواطن بين قهر الحرب، وجوع الغلاء، ووجع الإهانة من سلطات الأمر الواقع، وسلطة الشرعية الغائبة.
منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، بقرار فوقي فرض على الجميع، لم يلمس الشارع أي تحسن، بل ازداد الوضع سوءًا. تلاشت وعود التحرير، وغابت خارطة الطريق، وتبعثرت الجبهات، وتوقف تصدير النفط، وتبخرت آمال الناس بسلام عادل أو نصر قريب. وظلت الشرعية تراوح مكانها، غير قادرة على التقدم ولا راغبة في التراجع.
بل الأسوأ من ذلك، تحولت إلى عبء على القضية الوطنية. فالشرعية التي لا تدافع عن نفسها، ولا تحمي قرارها، ولا تملك زمام أمرها، هي شرعية مُفرغة من مضمونها، ولا تختلف كثيرًا عن سلطات الانقلاب.
أصبحت قراراتها تُصاغ في غرف مغلقة خارج الحدود، وصراعاتها تدار على الشاشات، بينما الداخل يكتوي بنار الفساد، والفوضى، والتجويع المتعمد.
في لحظة كهذه، يصبح السؤال واجبًا: لأي غرض بقيت هذه الشرعية؟ ومن تمثل؟ وما هي قضيتها؟ وهل حقًا لا يزال لها قضية؟
إذا كانت القضية هي تحرير صنعاء، فماذا فعلت؟ وإذا كانت القضية هي حماية الجمهورية، فكيف وهي عاجزة حتى عن حماية مدينة أو مؤسسة؟ وإن كانت القضية هي استعادة الدولة، فأين الدولة؟ وأين هم رجال الدولة؟
المجلس القيادي فقد قضيته يوم قرر أن يكون شاهد زور على تمزيق اليمن، ويوم سكت عن تهريب المعارك من الجبهات إلى المؤسسات، ومن ساحة النضال إلى كراسي الفنادق. أما الحكومة، فقد فقدت دورها يوم قبلت أن تكون مجرد واجهة لإدارة لا تملك من أمرها شيئًا.
وإذا ما استمر هذا الانحدار، فلن يكون سقوط الشرعية إلا مسألة وقت، لتجد البلاد نفسها بلا غطاء سياسي، وبلا حامل وطني، وبلا أفق، إلا أفق المليشيا والانقسام.
وفي الأخير، وبعد كل هذه العذابات، هل بات لمجلس القيادة، رئيسًا وأعضاء، وللحكومة، ما يبرر وجودهم سياسيًا أو أخلاقيًا أو حتى دستوريًا؟
إن الشعب، ومعه كل الأحرار في الداخل، لم يعد بمقدورهم الصبر أكثر، ولا يمكن السماح لهكذا قيادة أن تكون جسرًا لسقوط الشرعية في يد الانقلابيين. لقد بات إنقاذ الشرعية من السقوط أمرًا ملحًا، ويتطلب تحركًا فوريًا من كل القوى الوطنية في الداخل، وفي مقدمتها مؤسسة البرلمان، والجيش، والمقاومة.
الخيار اليوم ليس بين الصمت والانهيار، بل بين التحرك أو دفن آخر ما تبقى من مؤسسات الجمهورية اليمنية.
#سيف_الحاضري