مخاطر تحريك سعر الدولار الجمركي على الاقتصاد الوطني

Author Icon وفيق صالح

يوليو 17, 2025

عجزت الحكومة عن ابتكار الحلول وإيجاد المعالجات في مسألة الإصلاحات الإقتصادية، في الوقت الذي ما تزال غير قادرة عن السيطرة وتفعيل أهم مواردها المالية وركائزها الإقتصادية.

العملة الوطنية تشهد اضطرابا يوميا في أسواق الصرف، وتفقد المزيد من قيمتها الشرائية، والأجور والمرتبات تتلاشى قيمتها الفعلية، مع بقاء حجم الاختلالات في هياكل القطاعات الحكومية، وتضخم الاعباء والنفقات الحكومية بالنقد الأجنبي، الذي يستنزف فعليا موارد الدولة الشحيحة.

وأمام هذا الواقع الاقتصادي المتردي، كنا ننتظر من الحكومة الخروج ببرنامج إصلاحات شاملة لمعالجات الاختلالات والمشكلات ووقف التدهور المعيشي، والحفاظ على استقرار الأسعار، إلا أن رؤية الحكومة لعملية الإصلاحات يبدوا قد توقف معها الزمن عند تحريك الدولار الجمركي.

تنفيذ هذه الخطوة في ظل هذه الظروف التي وصلت فيه قيمة العملة الوطنية إلى أدنى مستوى لها في التاريخ، والدولار يقترب من حاجز ٢٩٠٠ ريال، يعني أن الأجور والرواتب ستتلاشى قيمتها الشرائية، بشكل تدريجي، وسيصعب السيطرة على أسعار السلع والخدمات وخصوصا المواد الضرورية، التي باتت الخيار الأخير لمساعدة ملايين اليمنيين في البقاء أمام مخاطر التضخم الذي يقضي على الأجور والمدخرات، ويزعزع أي بيئة مناسبة لممارسة الأنشطة التجارية والاقتصادية.

ما من مبرر، للجوء الحكومة إلى خيار رفع سعر الدولار الجمركي، لمواجهة أعباء العجز المالي والتغلب على التحديات المالية، فالخيارات أمامها متاحة، إذا وجدت لديها رغبة فعلية للعمل والإنجاز ومعالجة الاختلالات والمشكلات الإقتصادية.

صحيح تعاني مالية الدولة من عجز فادح، وهذا يعود إلى فقدانها أهم مواردها المالية من النقد الأجنبي وتوقف الصادرات النفطية، إلى جانب تراجع حجم الإيرادات المحلية، منذ أن جرى تحويل مسار سفن الحاويات إلى موانئ الحديدة، خلال أبريل ٢٠٢٢.

وحين أتت الفرصة المناسبة أمام الحكومة لاستعادة جزء من مواردها المفقودة، عبر رفع وتيرة النشاط الملاحي لموانئ عدن والمكلا، بعد الأضرار الكبيرة التي طالت موانئ الحديدة، نجدها تسارع إلى البحث عن وسائل لإبقاء ميناء عدن، قيد الركود، بدلًا من تقديم التسهيلات اللازمة لعملية التجارة الدولية والشحن البحري، الذي يفترض أن يشكل رافعة اقتصادية تساعد الحكومة في تغطية قطاع واسع من الاعباء والنفقات المالية.

دون إعادة استئناف الصادرات النفطية، وإعادة النظر بالنفقات الحكومية، خصوصا مدفوعات النقد الأجنبي العبثية، ستكون مسألة رفع السعر الجمركي، عبء إضافي جديد على المواطن في الداخل، الذي سيدفع ثمنه من قوته وقوت أطفاله.

تلجأ الحكومة إلى الخيار السهل، الذي يثقل كاهل المواطن، ويساهم في تضخم المستوى العام للأسعار، في حين تغض الطرف عن الحديث عن الحلول العملية، التي يمكن أن تخفف من حدة الأزمة وتقلص العجز في مالية الدولة، فكيف يمكن أن يعول عليها المواطن في تحقيق استقرار أسعار السلع وتقديم الخدمات الأساسية والحفاظ على القيمة الشرائية للعملة.

قد يقول قائل أنه ليس بمقدور الحكومة في الوقت الراهن، اتخاذ قرار بتصدير النفط الخام، بشكل منفرد، ودون الحصول على دعم إقليمي. حسنا ماذا عن تعطيل المؤسسات المحلية، وخصوصا مصافي عدن، التي كان يمكن أن توفر على البلد في حال تم إعادة تشغيلها بطاقتها القصوى، نصف تكلفة فاتورة الاستيراد، وهذا سيحقق توازن في أسواق الصرف، وسينعكس على استقرار قيمة العملة الوطنية.

لماذا لا تلجأ الحكومة إلى تنفيذ سياسات تجارية تتناسب مع حجم الإيرادات المتاحة، بحيث لا تضغط بشكل أكبر على سعر الصرف أو تفاقم من عجز ميزان المدفوعات، الذي يشهد عجزا غير مسبوق مع تعطل الصادرات وبقاء البلد مفتوح أمام كافة عمليات الاستيراد.

وماذا عن نفقات النقد الأجنبي، الذي تتضخم كلفتها، في الوقت الذي خسرت فيه الحكومة معظم مواردها وعوائدها المالية من العملة الصعبة، لا يبدوا أن هناك سياسات رشيدة أو أي برامج عمل تقشفية، قد تتخذها الحكومة، في اللحظة الراهنة الحرجة، بل العكس سياسات الحكومة في هذا المجال، تبدوا للمتابع والمراقب، وكأن خزينة الدولة تشهد فوائض مالية غير مسبوقة.

تدار الأوضاع الراهنة، بلا سياسات إصلاح حقيقية، وتسود العشوائية على كثير من الملفات الهامة في الهيكل الإداري للدولة، ومع هذا فإن حالة العجز التي تهيمن على دوائر صناع القرار، تسعى لتسويق التخبط والفشل، على أنه نجاح وحنكة إدارية.

المصدر: منصة "X"
زر الذهاب إلى الأعلى