كيف يدير الرئيس العليمي شبكة القوى المتناقضة؟..

Author Icon مصطفى محمود

سبتمبر 15, 2025

في اليمن، السياسة ليست رقعة شطرنج يتحرك فيها اللاعبون ببرود استراتيجي، بل هي أقرب إلى مختبر كيميائي، حيث كل فاعل سياسي مادة نشطة، وكل تحالف تفاعل قابل للانفجار أو التحول. وسط هذا الخليط المعقّد، يقف رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة، كمن يحاول ضبط حرارة المعادلة دون أن تحترق الدولة.

وبحسب دراستي المعمّقة لواقع المشهد اليمني، أجد أن العليمي لا يكتفي بإدارة الملفات المتناقضة، بل اختار لنفسه مهمة صعبة: تحويل التناقضات إلى فرص، والخصومات إلى أدوات بناء.

الرئيس العليمي – من وجهة نظري – مكّنه عمله الطويل في السياسة إلى جانب تخصصه العلمي من إدراك أن التحالفات في اليمن لا تُبنى على الثبات، بل على التوقيت والمرونة. لذلك لم يستخدم سياسة "فرّق تسد"، ولم يتحالف مع طرف لإقصاء آخر، بل يحاول ضبط بوصِلته باتجاه الجميع بما يخدم المصلحة العامة.

يصول ويجول بين الخطوط، يوازن بين الخصومات والتناقضات، ويعيد تشكيل المشهد بتريّث تدريجي كلما تغيّرت الظروف، محققًا نقاطًا إضافية لمشروعه الوطني.

كباحث، أشبّه المشهد السياسي اليمني بلوحة شبكية نابضة بالعنف والتناقضات، حيث تمثل الدوائر الفاعلين، وتربطهم خطوط بعلاقات: تحالف، صراع، أو توازن مؤقت. حجم الدائرة يعكس النفوذ، وسمك الخط يعكس قوة العلاقة، أما اللون فيخبرك بنوعها:

أخضر لتحالف مستقر
أصفر لتحالف متقلب
أحمر لصراع مباشر

في قلب هذه الشبكة يقف الرئيس العليمي بوصفه المركز وصاحب النفوذ الأعلى. يربطه خط أخضر سميك بالفصائل المعتدلة، وخط أصفر متقطع بالمجلس الانتقالي، وخط أحمر متوتر بالحوثيين. لديه أيضًا خط أخضر سميك جدًا نحو التحالف الدولي، ما يمنحه دعمًا خارجيًا حاسمًا.

المجلس الانتقالي الجنوبي: فاعل قوي في الجنوب، يتأرجح بين استثمار حلم الاستقلال والتحالفات التكتيكية. علاقته بالعليمي متقلبة، تتغير حسب مصالح قياداته أو حلفائه الإقليميين.

جماعة الحوثي: خصم عنيد في الشمال، تملك نفوذاً عسكريًا وسياسيًا، لكنها محاط بتحالفات محلية هشة. علاقة العليمي معه صدامية، لا تعرف الهدوء.

حزب الإصلاح: لاعب سياسي مرن، يتحالف مع الدولة مقابل مكاسب، ويجيد التكيف مع التحولات.

التحالف الدولي والإقليمي: قوة خارجية مؤثرة تدعم العليمي ماليًا وعسكريًا، وتحافظ على خطوط تأثير غير مباشر مع باقي الفواعل.

السؤال هنا: كيف يتعامل الرئيس العليمي مع هذه الشبكة؟

العليمي لا يكرر نفس الأسلوب مع الجميع، فهو يعرف أن لكل فاعل مفتاحًا مختلفًا: فمع الفصائل المعتدلة: شراكة هادئة تُبنى عليها الدولة ومع الانتقالي: براعة تكتيكية، خطوة للأمام وخطوة للخلف

مع الحوثيين: صراع مفتوح وتوتر دائم أما مع الإصلاح: تحالف بمقدار ما يخدم بناء الدولة ومع الخارج: دعم مشروط باحترافية وموازنة دقيقة

إلى أين تتجه الأمور؟

المشهد اليمني لا يقدم إجابة واحدة، بل احتمالات متعددة:

استمرار العليمي في إدارة الدولة قد يحقق تدريجيًا استقرارًا ويعيد بناء مؤسسات الدولة بشكل مختلف ، وإذا تصاعدت المواجهة مع الحوثيين أو الانتقالي فقد تهتز وحدة البلاد

في حال  تغير موقف التحالف الدولي فقد يُعاد تشكيل موازين القوى ،شخصيًا أرجّح أن يستغل العليمي الأزمات الاقتصادية، ويحوّلها إلى أدوات ضغط لصالح بناء الدولة.

أوراق العليمي واستراتيجيته المقترحة:

●. استثمار التناقضات: عدم مواجهة الحوثيين والانتقالي معًا، بل استخدام خلافاتهما لصالح بناء الدولة

●. توظيف الأزمات: تحويل الفوضى الاقتصادية إلى فرصة للضغط والتفاوض

●. تعزيز الرمزية السياسية: تكليف فريقه الإعلامي بتقوية خطاب الرئيس ومبادراته لزيادة شرعية الدولة والرئيس

●. موازنة الخارج: الاستفادة من الدعم الدولي دون السماح له بالتحكم في القرار اليمني

 

إذا نجح العليمي في هذه الاستراتيجية، ستنتج المعادلة التالية: سلطة مركزية أكثر استقرارًا مع قدرة تفاوضية أكبر داخليًا وخارجيًا.

ونظام سياسي مرن يحوّل الصراعات إلى فرص، وتقليص خطر الانقسام بين الشمال والجنوب، وبين الأقاليم المختلفة

الخلاصة

رشاد العليمي لا يدير سياسة بقدر ما يمارس الكيمياء السياسية. يحاول أن يصنع من التناقضات قوة، ومن الأزمات أدوات، ومن التحالفات المتغيرة شبكة تضمن بقاء الدولة.

هذا النموذج، الذي يجمع بين التحليل الشبكي والتقدير الاحتمالي، يمنحنا طريقة جديدة لفهم كيف تُدار الأزمات في اليمن، وربما في المنطقة كلها.

●كاتب وباحث يمني

زر الذهاب إلى الأعلى