الجمهوريون المتفيدون سيف الحاضري نموذجاً
سيف الحاضري يطالب من رئاسة الجمهورية صرف 300 مليون ريال تعويضاً عن توقف مطبعة مؤسسة الشموع في عدن، الرئاسه رفضت الطلب لأنه غير قانوني٠٠
عندها استعر الحاضري يهاجم الرئيس العليمي ويتهمه بأنه رئيس “غير قوي ـ في ذهن الحاضري، القوة ليست احترام القانون، بل القدرة على تجاوزه، لأن هذه هي الثقافة التي تربّى داخلها: ثقافة ترى الدولة كغنيمة، وليس كمسؤولية.
والحقيقه من وجهة نظري ان سيف الحاضري ليس حالة شاذة داخل النظام القبلي ، بل نتيجة منطقية لبنية تشكلت عبر عقود، حيث أصبح النفوذ أهم من القانون، والولاءات أهم من المؤسسات.
هذه البنية أنتجت الحاضري و فاعلين قبلييون اخرون كثر كانوا يتحركون داخل الدولة لكن خارج قواعدها، ويتعاملون مع الشرعية الجمهورية باعتبارها ملكيه خاصه.. لا عقداً سياسياً يحكم الجميع.
عندما طالب الحاضري بتعويض ضخم، رفض الرئيس رشاد العليمي الطلب لأنه بلا أساس قانوني. في الدول التي تعمل ضمن إطار مؤسسي، ينتهي الأمر هنا٠٠٠لكن في اليمن، الرفض نفسه يصبح نقطة اختبار: هل الرئيس يملك القدرة على مقاومة شبكات النفوذ، أم أن قواعد اللعبة ما تزال تُدار بالطريقة القديمة؟....
اتهام الحاضري للرئيس العليمي بأنه “غير قوي” ليس رأياً، بل تعبير عن منطق راسخ داخل النخبة القبليه السياسية القديمه ـ القوة تُعرَّف بمدى القدرة على خرق القواعد، لا احترامها٠
■ مسار الحاضري المهني يقدّم نموذجاً لنمط أكبر. لم ينشأ من خبرة صحفية ، بل كانت البدايه صحيفة الشموع من موقع حزب الاصلاح جناح الفرقة الأولى مدرع، وهي مؤسسة عسكريه دينيه قبليه، كانت تمارس سلطة فعلية تفوق كثيراً سلطة المؤسسات المدنية.
قانون الصحافة اشترط وجود رئيس تحرير مؤهل، فتم إيجاد الصحفي عبدالباسط الشميري اسم بديل. الشرعية الشكلية أُخذت، بينما بقي التحكم الفعلي خارج أي ضابط قانوني.
هكذا نشأت “الشموع”: مؤسسة إعلامية كبيرة، ليست نتاج سوق أو مهنية، بل نتاج علاقة سياسية ـ دينيه ـ قبليه ـ عسكرية. وظيفتها كانت حماية نفوذ داعميها، ومراكمة مكاسب الحاضري عبر الضغط والابتزاز.
■ القرض من البنك الوطني الذي اعلن افلاسه نموذج اخر، لهذه البنيه المستذئبه، اقترض سيف الحاضري من البنك الوطني مبلغ ثلثمائه الف دولار بلا ضمانات، بناءً على رسالة واحدة من جنرال سنحاني نافذ.
هذا النوع من المعاملات يحوّل المؤسسات المالية إلى ممرات لتبادل النفوذ، لا أدوات لتنظيم الاقتصاد٠٠٠ومن خلال هذه الشبكات تشكل اقتصاد ظلّ واسع، تداخل فيه المال العام بالمال الخاص، وتحوّل فيه النفوذ العسكري إلى قناة مالية مباشرة.
■ الطبقة القبليه الدينيه السياسيه التي امسكت زمام السلطه لعقود ، لا تُعرف بمبادئها السياسية، بل بمرونتها.. هي جمهورية عندما تكون على رأس الجمهورية.. وحدوية عندما تمنح الوحدة حصصاً في ثروة الجنوب.. وطنية عندما يتطلب الأمر خطاباً يغطي التسلق
و”رجال دولة” فقط عندما تكون الدولة نفسها قابلة للاستهلاك.
هذه ليست حالة فساد فردي، بل ثقافة سياسية كاملة. ثقافة ترى في “الفيد” امتداداً طبيعياً للسلطة، لا انحرافاً عنها. ثقافة تجعل المال العام ملكية رمزية لمن يملك قوة على الأرض، لا ملكية مشتركة لمجتمع سياسي.
وبتراكم الزمن، أنتجت هذه الثقافة طبقة لا تحتاج الدولة إلا كمورد. وحين يتوقف المورد، يتوقف الانتماء.
التحدي أمام اليمن اليوم لا يتعلق بمحاسبة أفراد، بل بتغيير آلية اشتغال السلطة نفسها. فالدولة، بصيغتها الحالية، تواجه شبكة نفوذ متجذرة تستطيع تعطيل قراراتها، وتستطيع إعادة إنتاج ذاتها حتى في أصعب الظروف.
وهذا هو جوهر المأزق: دولة تتحدث بلغة القانون، ونخبة تتحرك بمنطق القوة.
وحين لا يلتقي المنطقان، يبقى الإصلاح مجرد إعلان حسن نية، لا مشروعاً قابلاً للتنفيذ.