استعادة سلطة..

Author Icon محمد علي محسن

نوفمبر 17, 2025

شتان بين أن يفقد الشخص أو الجماعة سلطة، وبين أن يفقد الإنسان دولة أو وطن.. عيدروس ومجلسه وأتباعه في عدن لا يختلفون عن طارق ومكونه وأتباعه في المخاء ..

الفارق ربما أن الذين خسروا السلطة في حرب 1994م قدّر لهم أن يستعيدوا شيئًا من تلك السلطة المنتزعة منهم، بينما الذين خسروها في العام 2012م، استعادوا شيئا من ذاك البريق ، لكنه ليس كافيًا ، فما زالوا في مهمة استعادة تلك السلطة كاملة .

وغاية هؤلاء السلطة ولا سواها ، شئنا أم أبينا ، فالسيطرة على العاصمة صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة المليشيات الحوثية دربًا معفرًا بالدم والمهج لأجل استعادة سلطة .
والحال ينطبق على حليف الضرورة وما يجسده في عدن وجوارها من سيطرة بالحديد والنار ، حفظًا لشهوة السلطة والنفوذ ، وأكثر من ذلك، فربما ذهبت الذهنية إلى التفكير بما هو اسوأ في سبيل ما يرونه حقًا لهم ولا ينبغي التفريط فيه مهما كان الثمن..

وإذا ما نظرنا للمسألة اليمنية برمتها وبعين فاحصة متجردة من الولاءات الضيقة، فإننا سنجد السلطة سببًا في معظم مشكلات وأزمات اليمن.

ويخطئ من يظن أن الحروب والصراعات كان مبررها أخلاقي أو سياسي أو مذهبي ديني أو لها علاقة مباشرة بنظريات ورؤى أيديولوجية، فكل هذه المسميات والشعارات ليست إلا واجهة أخفت طبيعة الصراع العنيف من أجل غاية واحدة وهي الاستئثار بالسلطة.

وخلال حقب تاريخية ظلت الدولة بمفهومها القانوني والبنيوي والسيادي هي الضحية رقم واحد.
وإذا كان البعض يتباكى على الدولة التي كانت سائدة جنوبًا، فتلك الدولة صنيعة إرث استعماري ونظام وطني مثَّل مخاضًا لمرحلة تاريخية أعقبت الاستقلال وتأثر رجالها بالأفكار القومية والتقدمية.

لكن هذه الدولة الوطنية الجامعة المستقلة عن بريطانيا سرعان ما تبددت، فلم يمض عليها أكثر من عشرة أعوام ونيف حتى برزت الحقيقة المرة المتمثلة بالصراع على السلطة بين أقطاب الحكم ، تحت يافطات وشعارات مضللة أخفت نزاعات شخصية أنانية عصبوية .

وفي الشمال غابت الدولة نتيجة لهذه السلطة، فكل الفئات المتناحرة لم تكن غايتها الدولة ، وإنما الاستحواذ على السلطة باعتبارها رأس وعمود الدولة والوطن عمومًا .

المليشيات الحوثية هي الوجه الاخر للفئة المحاربة لثورة 26 سبتمبر ١٩٦٢م ولفترة دامت ثمانية أعوام. اليوم عادت مستأثرة بالسلطة، فجل هذه القرابين والدم والخراب في سبيل ترسيخ فكرة ظلامية عنصرية مفادها أن السلطة حقًا شرعيًا من رب السماء ، وخص به جماعة سلالية دون سواها.

وفي كل الحالات، معضلة اليمن التاريخية أنه لم يحسم أمره بحيث يمكنه حل مشكلة غياب الدولة الوطنية، فكل المحاولات التي أريد بها إقامة دولة قوية ومستقرة باءت بالفشل نتيجة لهيمنة جماعات ما قبل الدولة، فهذه القوى في الأغلب ترى في الدولة الوطنية العادلة خطرًا يهدد وجودها ومصالحها.

كان مؤتمر الحوار الوطني أفضل ما أفرزته ثورات وأحداث التاريخ المعاصر، وكان يمكن البناء على تلك المضامين المؤسسة لدولة يمنية حديثة لولا أن القوى التقليدية تكالبت عليها، وائدة إياها وهي في المهد.

وبرغم مضي عشرة أعوام وثمانية أشهر على ذاك الانقلاب، ليس هنالك ثمة خيار أو بديل لهذه الحالة المائعة الناتجة عن تكريس المفاهيم المعتادة بمنطق القوة والسلاح ، ومن ذات القوى القديمة الجديدة .

فما نراه في صنعاء أو عدن أو المخاء يعد ارتكاسة حقيقية أعادت اليمن واليمنيين إلى ماضيهم المأساوي، فأغلب الجماعات المسيطرة الآن لا تمثل خيارًا وطنيا جمعيًا يؤسس لدولة عادلة ، وإنما هي تمثل حالة ارتداد فظيعة ، وتكريسًا لتاريخ من السيطرة والهيمنة والاستئثار بالسلطة ..

زر الذهاب إلى الأعلى