‏الجنوب في معادلات الإقليم:حسابات الرياض وتداعيات المشهد اليمني

Author Icon هاني علي سالم البيض

ديسمبر 10, 2025

تشهد الساحة الجنوبية حراكًا متسارعًا ،يعيد فتح الباب أمام نقاشات وتفاعلات سياسية واسعة، تتقاطع فيها سرديات متعددة مواقف وتقديرات متباينة ..

ذلك في ظل بيئة إقليمية تشهد تحولات ولحظة، يعاد فيها رسم موازين القوى وتحديد أولويات الفاعلين بالمنطقة ! بمعنى ان القضية الجنوبية اليوم تتحرك في لحظة إقليمية معقّدة ،حيث تتقاطع مصالح بعض القوى أحيانًا ..وتتوازى أحيانًا اخرى بصورة تعكس حساسية اللحظة الراهنة.

فالتحولات التي تشهدها المنطقة الخليجية لا تمثّل تسويات نهائية، بقدر ما تعبّر عن إعادة ترتيب للأولويات في حركة محسوبة للعجلة الإقليمية، لإدارة النفوذ وتخفيف بؤر التوتر ،بما يسمح بمقاربات أكثر واقعية تجاه ملفات الإقليم واليمن على وجه الخصوص

ومن هذا المنظور تتعامل الرياض مع الملف الجنوبي بقدر كبير من الحذر، إدراكًا لتشابك معطياته الإقليمية والداخلية، دون أن يُفهم ذلك كإغلاق لأي خيار محتمل مستقبلاً.

وفي هذا السياق يظهر تناغم غير معلن بين جماعات الإسلام السياسي، رغم اختلاف مرجعياتها، يقوم أساساً على فهم وقراءة مشتركة لهم لدور السعودية، والرغبة في إبقاء الجنوب ضمن إطار المركز في صنعاء.

وتبرز بوضوح هذه التقاطعات بين بعض القوى ذات التوجهات العقائدية المتباينة، في تحالف غير معلن يقوم على هدفين: إرباك الدور السعودي او الحد من فاعليته
ومنع الجنوب من استعادة دولته ، او إبقاء مسار استعادة الجنوب لدولته خارج نطاق التحقق الرسمي لأطول مدى ممكن !

وفي سياق موازٍ تعمل بعض الأطراف على توظيف مصطلح (تقسيم اليمن ) كأداة ضغط سياسية، رغم أن الوعي العربي أصبح أكثر إدراكًا لتعقيدات التجربة اليمنية، وما رافقها من صراعات وحروب وإقصاء،
لا سيما بعد حرب 1994.

من زاوية أخرى إذا ما اتجهت التقديرات الدولية والإقليمية ،وقررت القوى الفاعلة إقليمياً ودولياً دعم مسار عودة الدولة الجنوبية، فسيمثل هذا الخيار ترتيبات مصاحبة كضرورة استراتيجية لضبط استقرار اليمن وتعزيز أمن الإقليم بأسره.

لان استعادة دولة جنوبية مستقرة لايمثل فقط استحقاقًا جنوبيًا،بل يجب ان يكون أيضًا عنصر توازن مهمًا للأمن الإقليمي وللاستقرار داخل اليمن شمالًا وجنوبًا ،ومع الأخذ بالاعتبار ان غياب هذا المسار، قد يفضي إلى نتائج معاكسة تُعمق الاختلالات وتزيد من هشاشة المشهد برمّته

وإزاء كل ذلك يتعيّن على القوى الجنوبية، وهي تتعامل مع هذه اللحظة الحساسة، أن تعزّز تماسكها الداخلي وترسّخ علاقاتها مع محيطها الخليجي وفي مقدّمته المملكة العربية السعودية،وأن تصوغ خطابًا سياسيًا رصينًا يبعث على الطمأنينة.

كما ينبغي عليها ألّا تستعجل النتائج، وأن تُقدر بدقة تعقيدات المرحلة ومعطياتها، بحيث يُقدم مشروع الدولة الجنوبية كجزء من الحل .. لا كعامل يزيد المشهد تعقيدًا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى