الحوثيون يحذرون السعودية والإمارات من "العواقب الوخيمة" في حال دعم عملية برية ضدهم.
الأخبار المحلية
قال أحد أعضاء جماعة أنصار الله في اليمن، المعروفة أيضًا باسم جماعة الحوثي، لمجلة نيوزويك إن الجماعة مستعدة للتصدي لأي عمليات معادية، في ظل تقارير تفيد بأن القوات الحكومية تستعد لشن هجوم واسع النطاق.
وأضاف المصدر من أنصار الله: “نحن نتابع عن كثب كافة التطورات على الأرض، ونحن في حالة جاهزية واستعداد قصوى لجميع الاحتمالات. وهذه الجاهزية لم تبدأ الآن، بل هي منذ زمن بعيد، لأننا نتوقع ونتهيأ لكل التطورات”.
وتشمل هذه الاحتمالات إمكانية تدخل جديد من قبل السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين أطلقتا حملة مشتركة لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بعد أن أطاحت بها جماعة أنصار الله من العاصمة قبل نحو عقد من الزمن، غير أن هذه الحملة وصلت إلى طريق مسدود، وتوقفت المواجهات إلى حد كبير منذ التوصل إلى هدنة في أبريل 2022 بوساطة من الأمم المتحدة.
لكن مع تصاعد الضربات الجوية الأمريكية ضد أنصار الله بسبب استمرارها في شن هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضد إسرائيل والسفن التجارية في ظل الحرب في غزة، حذّر الرئيس دونالد ترامب من اتخاذ إجراءات إضافية في اليمن.
ولم تُبدِ الرياض وأبو ظبي حتى الآن أي استعداد للانخراط مجددًا في مواجهة الميليشيا القوية، إلا ان أنصار الله حذّرت من أن كلا البلدين سيواجهان عواقب وخيمة إذا أقدما على ذلك.
وقال مصدر أنصار الله: “أما بالنسبة للدول المجاورة، فإذا شاركت بأي شكل في العدوان علينا دفاعًا عن العدو الإسرائيلي، سواء بإرسال مرتزقتها أو بطرق أخرى، فإن الكلفة ستكون أكبر من توقعاتهم، بإذن الله”.
عودة همسات الحرب
ولا يزال اليمن اليوم منقسمًا بين أنصار الله، التي تسيطر على نحو ثلث البلاد ويُقدّر أنها تحكم ما يصل إلى 80٪ من السكان، وبين الحكومة التي تدير شؤونها من مدينة عدن في الجنوب.
وتقابل المجلس السياسي الأعلى التابع لأنصار الله في صنعاء، قيادة الحكومة اليمنية المتمثلة في مجلس القيادة الرئاسي الذي يضم عدة أطراف، من بينها المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي المدعوم من الإمارات.
وكانت أنصار الله قد شنت العديد من الهجمات ضد السعودية والإمارات قبل هدنة أبريل 2022، في ظل دعم التحالف الذي تقوده السعودية للعمليات ضد الجماعة في اليمن.
وقد ظهرت بوادر مصالحة في مارس 2023 بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في اتفاق رعته الصين، إلا أن تدخل أنصار الله في حرب غزة لاحقًا من ذلك العام وضع هذه الهدنة على المحك.
وكانت أولى التقارير عن هجوم محتمل من قبل القوات الحكومية اليمنية قد ظهرت الأسبوع الماضي في صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية، التي نقلت عن عبد العزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث في السعودية، قوله إن نحو 80 ألف جندي يمني يجري حشدهم في محاولة للسيطرة على محافظة الحديدة الساحلية الاستراتيجية، مع خطط لاحقة لاستعادة صنعاء.
وزاد وزير الدفاع اليمني الفريق الركن محسن محمد الداعري من احتمالات شن عملية برية ضد أنصار الله، حيث صرّح لصحيفة عكاظ السعودية يوم الأحد بأن “الحرب قد تندلع اليوم أو غدًا”، مشيرًا إلى أن القوات اليمنية في أعلى درجات الاستعداد.
ونقلت وول ستريت جورنال عن مسؤولين أمريكيين ويمنيين لم تسمهم ما يبدو أنه تأكيد لهذه التطورات، حيث أفادوا بأن الإمارات قدمت خطة الحرب إلى إدارة ترامب، التي أعربت عن استعدادها لدعم مثل هذا الهجوم البري، رغم أن القرار النهائي لم يُتخذ بعد.
كما أفادت وكالة بلومبرغ يوم الأربعاء بوجود محادثات مزعومة بين مسؤولين أمريكيين وشركاء في شبه الجزيرة العربية.
ونفت لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية، هذه التقارير، وقالت في بيان لمجلتي نيوزويك ورويترز: “من بين كل القصص الغريبة وغير المستندة إلى أدلة التي يتم تداولها، فإن هذه القصة بالتأكيد تفوز بجائزة الخبر المضلل للأسبوع، وبفارق كبير”.
كما نقلت رويترز عن مسؤول سعودي رفيع – لم يُذكر اسمه – نفيه مشاركة المملكة في أي محادثات بشأن هجوم بري في اليمن.
وقد تواصلت نيوزويك مع سفارتي السعودية واليمن في الولايات المتحدة، ومكتب رئيس الوزراء اليمني، والمجلس الانتقالي الجنوبي للحصول على تعليق.
أما مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية، فاتصلت به نيوزويك أيضًا للحصول على تعليق، فأجاب: “ليس لدينا ما نضيفه بشأن هذا الموضوع”.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، تامي بروس، إنها لا تستطيع التعليق على “تقارير بشأن ما قد يحدث أو لا يحدث على الأرض في اليمن، في ظل تراجع قدرة الحوثيين على المقاومة”، وذلك خلال مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء.
لكنها أوضحت أن “الولايات المتحدة أوضحت موقفها بشكل جلي، سواء من خلال الوزير أو الرئيس، ومن خلال جهود التهدئة، والعمل المستمر بشأن القضايا المتعلقة بإسرائيل وقطاع غزة، وبالطبع، في حقيقة الأمر اللافتة أن إيران باتت على الطاولة فيما يتعلق بوضعها، الذي تأثر أيضًا بطبيعة الحال نتيجة تراجع قدرات حزب الله، ناهيك عن الكارثة التي جلبتها حماس على المنطقة، بما في ذلك إيران".
وعادت بروس لتتناول الموضوع يوم الخميس، قائلة إنه “ليس شيئًا نحن منخرطون فيه، بالطبع"، وقالت للصحفيين إنها “لا تستطيع الحديث عن الخطط القائمة”، بما يشمل “خطط المعارك أو الهجمات ضد الحوثيين من قبل أفراد أو حكومات أو أنظمة أخرى”.
محور المقاومة على حافة الانفجار
تعد جماعة أنصار الله في اليمن وحزب الله في لبنان من أبرز فصائل محور المقاومة المتحالف مع إيران، والذي تدخّل لدعم حركة حماس الفلسطينية بعد هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، وهو الهجوم الذي أشعل حربًا ما زالت مستمرة في غزة.
واغتيل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في سبتمبر الماضي، في ظل تصعيد إسرائيلي كبير وغزو لجنوب لبنان، ما أدى إلى توقيع هدنة في 27 نوفمبر.
وفي اليوم ذاته، تلقى محور المقاومة ضربة قاسية أخرى، حين شنّ تحالف من المتمردين بقيادة إسلامية هجومًا مفاجئًا أسفر في النهاية عن الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، الحليف الأقرب لإيران في العالم العربي.
ومنذ ذلك الحين، أوقفت “المقاومة الإسلامية في العراق” حملتها بالطائرات المسيّرة ضد إسرائيل، مما جعل أنصار الله الفصيل الأكثر نشاطًا ضمن محور المقاومة.
ومع استئناف أنصار الله لهجماتهم بعد توقف قصير عقب اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة ألغته إسرائيل الشهر الماضي، أمر الرئيس ترامب بشن سلسلة واسعة من الغارات الجوية على مواقع الجماعة في اليمن، وقد وصف الرئيس الأميركي هذه العمليات بأنها “نجاح هائل”، وهي مستمرة بوتيرة منتظمة.
لكن، وبينما يلاحظ مراقبون الكلفة العالية والتأثير المحدود لهذه العمليات، قللت أنصار الله من شأن التقارير التي تفيد بمقتل قيادات أو تعرض الجماعة لأضرار كبيرة.
وقال مصدر من أنصار الله: “الضربات الأميركية لم تلحق بنا أي ضرر حقيقي يمكن أن يؤثر على عملياتنا على الإطلاق، بل إنها مستمرة بكافة أشكالها، ولم تتمكن حاملات الطائرات نفسها حتى من الاقتراب إلى مسافة تتيح لطائراتها الإقلاع والهبوط دون التزود بالوقود، أي أنها متمركزة على مسافة بعيدة جدًا، ودورها يقتصر على حماية نفسها أو قتل المدنيين”.
وأضاف المصدر: “مع ذلك، لم يتمكنوا من فتح البحر أمام السفن الصهيونية، ولا من منع الصواريخ والطائرات المسيّرة من استهداف عمق العدو الإسرائيلي في يافا المحتلة، المسماة ‘تل أبيب’، ولا حتى من منع الدفاعات الجوية من العبث بطائرات MQ-9” وتابع: “الشعب يخرج إلى الشوارع بالملايين تأييدًا لهذه العمليات ويطالب بالمزيد".
وشنت الولايات المتحدة أحدث غاراتها ضد أنصار الله مساء الخميس، مستهدفة ميناء رأس عيسى النفطي الحيوي في اليمن.
وقالت القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) في بيان بعد العملية: “اليوم، قامت القوات الأميركية بعمل يستهدف إزالة مصدر الوقود للإرهابيين الحوثيين المدعومين من إيران وحرمانهم من العائدات غير القانونية التي مولت جهودهم في ترويع المنطقة لأكثر من 10 سنوات”.
وأضاف البيان: “كان الهدف من هذه الضربات إضعاف المصدر الاقتصادي لقوة الحوثيين، الذين يواصلون استغلال مواطنيهم والتسبب في معاناة شديدة لهم، ولم تكن هذه الضربة تستهدف إلحاق الضرر بشعب اليمن، الذي يرغب بحق في التحرر من نير سيطرة الحوثيين والعيش بسلام”.
وتابعت القيادة المركزية: “يجب أن يدرك الحوثيون، وسادتهم في إيران، وكل من يقدم لهم الدعم أو يسهل أعمالهم الإرهابية، أن العالم لن يقبل بتهريب الوقود والمواد الحربية إلى منظمة إرهابية".
وقالت جماعة أنصار الله إن الضربات الأميركية أسفرت عن مقتل 38 شخصًا، ما رفع حصيلة القتلى إلى نحو 125 منذ بدء الحملة في 15 مارس، وزعمت الجماعة أنها أسقطت 19 طائرة مسيّرة من طراز MQ-9 تابعة للجيش الأميركي، كان أحدثها يوم الأحد.
وقد أثر النزاع بشكل كبير على حركة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، وهما ممران يؤمنان الوصول إلى قناة السويس، ووفقًا لمسؤولين أميركيين، فقد تم تسجيل 145 هجومًا من أنصار الله على سفن تجارية، و174 هجومًا ضد سفن حربية أميركية حتى الشهر الماضي.
كما واصلت الجماعة شن هجمات مباشرة على إسرائيل، التي أعلنت قواتها اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن يوم الخميس.
مسألة القدرات
وحتى في ظل الحملة الجوية الأميركية والخسائر التي تكبدتها فصائل أخرى من محور المقاومة، يشكك محللون في ما إذا كان هجوم عسكري يمني متجدد يمكنه حقًا تحدي أنصار الله بعد سنوات من الفشل.
وقال هشام العميسي، المحلل اليمني والمدير السابق لمركز المعلومات في بعثة الولايات المتحدة إلى اليمن، لمجلة نيوزويك: “لقد تغير الكثير منذ وقف إطلاق النار في أبريل 2022؛ الحوثيون أصبحوا أكثر تمركزًا، وحصلوا على مجموعة واسعة من الأسلحة الجديدة، بما في ذلك صواريخ وطائرات مسيرة بعيدة المدى، وعززوا أعدادهم من خلال حملات تجنيد مكثفة”.
وأشار إلى أن “الحوثيين أصبحوا أكثر عزلة من أي وقت مضى بسبب هجماتهم على السفن الدولية وتهديدهم للتجارة العالمية، وحكمهم الاستبدادي القمعي، وتزايد حملات القمع الوحشية ضد المعارضة والاختطافات، وتصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية”.
وتساءل العميسي عمّا إذا كان الهجوم الجديد سيكون جزءًا من جهد أوسع لمعالجة جذور النزاع والواقع على الأرض، أم أنه سيشكّل حملة مكلفة أخرى ذات مكاسب محدودة قد تؤدي فقط إلى تفاقم معاناة اليمن وتمكين أنصار الله بدلًا من هزيمتهم.
وقال: “استنادًا إلى التجارب السابقة، فإن جولة قتال أخرى دون زخم كافٍ ستنتهي بوقف إطلاق نار لن يؤدي إلا إلى تعزيز الحوثيين وتمكينهم من إعادة تنظيم صفوفهم”.
وأضاف: “هذه إحدى اللحظات التي لا يمكنك فيها عبور الهاوية بقفزتين صغيرتين”.
وقال مصدر في أنصار الله تحدث لمجلة نيوزويك إن “أفضل حل هو وقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها، وإلا فإن الجميع سيدخلون في مستنقع لن يستطيعوا الخروج منه”.
وأضاف المصدر: “نحن نقاتل طاعةً لله، ونعتبر القتال في هذه المعركة عملًا مقدسًا دفاعًا عن القيم الإنسانية التي تُداس في غزة أمام أعين العالم المنافق. لن نقبل أبدًا أن نصمت عمّا يحدث في غزة مهما كان الثمن”.
وتابع: “لدينا ثقة كبيرة ومطلقة بأن الله سينصرنا، وهو بالفعل يمنحنا النصر الآن. كل هذا العدوان هو فشل، وسيفشل أكثر أمام وعي شعبنا، وقناعته الراسخة، وثقته المطلقة بالله تعالى”.